على بساط أسود مهترئ ، تحت ظل شجيرات شوكية لا بارد ولا كريم ، جلس عبد الرحيم دقلو ( سفاح زمزم ) وحوله رِفد من الأشقياء ممن يُسميهم قيادات ، تتزاحم ركبهم كما تفعل الجمال في المَعاطِن ( المَبارِك ) تتحرك شفاههم في قلق كأنهم يجترون العلف المُر ، وما أطعمهم إياه الدعم السريع وسقاهم من ماء صديد يتجرعونه بلا استساغة ، لأنه علف وسِقاء مسموم باللعنة ، مغصوب بالإكراه .
وجوههم صفراء كالحة ، شرد الدم منها من فرط الخوف الذي يتسلل اليهم مع كل نَفَس ، يدارونه بالكدمول عبثا ، ينصتون بكل جارحة فيهم خشية صوت ( السوخوي ) الذي يعرفونه بالغريزة والتجريب ، كما يعرف صيد البرية ( زئير الأسود ) .
يتكلم عبد الرحيم ، يتقمص دور القائد العسكري المكلف باقتحام مدينة الفاشر ، ويقوم بالتنوير ، وصرف الأوامر للقادة ، ويذكرهم بأهمية تحقيق النصر ، وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لا يملك من صفات القائد برتبة ( الفريق ) وعلمه ، وخبرته وتجربته شيئا، غير مفارقات الأحداث ، وعجائب الأزمان أن يرتقي أمثاله من ( لا شيئ ) الى رتبة فريق خلال تسع سنوات ، والأعجب أنه صدّق المزحة ويمارس دوره كضابط برتبة فريق ، والجلوس حوله كذلك يصدقون ، بل ويتحسسون أكتافهم ، وما عليها من ( دلاقين ) .
إنّ عزم خطة عبدالرحيم هي ( كتل الفلنقايات) ، واستباحة المدينة ، مكافأة للقتلة بالسرقة والإغتصاب ، كما فعلوا في كل مدينة أو قرية دخلوها ، وجعلوا أعزة أهلها اذلة ، الى أن اذلهم الله القوي الجبار بأيدي الجيش ومسانديه ، وأخرجهم خزايا خائبين .
وهم إذ يمكرون بالفاشر ، ليثبتوا أهلها إعتقالا ً، أو يقتلوهم نكاية ، أو يُخرجوهم بَطرا ً، نسوا في غمرتهم ( مكر الله ) إذ كيف تصمد مدينة في مَعزِل بعيد ، تصمد عامين كاملين أمام الحصار الشديد ، وتصد أكثر من مئتي هجوم ، وتجندل عتاة المجرمين ( علي يعقوب ،قرن شطة ، وغيرهم )
وتصبر على قروح القصف العشوائي ، وتطوي على المسغبة ، وتغالب الظمأ ، وتأبى الإنكسار والتسليم لهؤلاء الأوباش ، الذين يتربصون بها ، ويكيدون لها باعتبارها بوابة الدخول الى الدولة الدقلاوية الضِرار ، بعدما فشل مشروع الدولة السودانية الجديدة ، على آثار وحطام الدولة السودانية القديمة ( دولة ٥٦ ) وهو المشروع القديم المتجدد ، على ألسنة الولاء ، وعلى سروج أحصنة الغزاة ، وهو عين ما كان يقوله ( جون قرنق new sudan ) ولقنه لحوارييه ممن سموا أنفسهم ( ثوار الهامش ) وما يزال بعضهم عاكفا على عجل الوعد ، كحال ( الحلو ، وعبد الواحد ) .
أما الطاهر حجر ، والهادي ادريس فهما في خدمة مشروع آل دقلو ، كمثل تُجّار العبيد من الوكلاء المحليين ، كما في قصة كتاب الجذور ( اليكس هيلي ) إذ يقوم بعض الزنوج بالقبض على شباب بني جلدتهم ، ويسلمونهم للتجار البيض بمقابل مالي ، وهذا مطابق لأدوارهما بتسليم رقاب نازحي زمزم للجنجويد ، وهو عين ما يفعله نظار بعض القبائل العربية في كردفان ودار فور ، يطارودن اليافعين وفي أيديهم ( ماعون فاضي ) كما يفعلون مع العنز الفارد ، يخادعونهم بالقضية ، يوغرون صدورهم بالغِل على الجلّابة ، سكان البحر ( شرابين الموية الباردة )
وانهم اي هؤلاء الأغرار الذين لم تثبت أقدامهم على الحق بعد ، ولم يبلغوا التمييز ، ولم ينفكوا من رِبقة ( غِواية غُزُية ) .
نعم يفعل نُظّار السوء هذا ، وعيونهم في جيب عبد الرحيم ، والعربة البوكس ، التي تجاوزت أهداف صنعتها ، وأصبحت عملة لتداول الجريمة من أجل أم قرون ، والإرتهان المهين لذقون الرجال .
يجلس عبد الرحيم على تخوم الفاشر ينتظر نضج اللحم القديد على نار حقد تستعر في داخله المعتل ، وبقصف المدافع على أم رؤوس الضعفاء ، ليرفع التمام الى ( الولي الكفيل )
في دبي ، الذي تعامل بلغة ( تلته ولا كتلته ) إذ لا يمكنه الخروج من أرض السودان الواسعة الريانة ، بلا نصيب ، وهو الذي مناه القحاطة ، بأنه يمكنه من خلالهم الحاق كل السودان ، أرضا وشعبا ، بالمشروع الصهيوني الهادف الى إخلاء هذا الفضاء من دين الله الإسلام الحاكم ذي الشوكة ، وإفساد شبابه بمخدر الآيس ، وبناته بنزع أردية الحياء ، لكنهم ،، يا ويلهم ،، تقحموا لُججاً موجُها مَوار ، واسثاروا همما كانت غافلة فانتبهت لآذان ( يا خيل الله اركبي ) فركز الجيش ، مثل فرسان البِطان على مرائي الحسناوات ، والعين جَمر
وسنار أنا ، كاسراب الصقور الشُهب افردوا أجنحة العزم ، وملأوا الساحات يبايعون للموت بيعة رابح ،
شباب البراءون من لم يقرأ في سير الصحابة ، ومحاور الفتح فليتفرس فيهم ، فهم ذات الشخوص ، في حرب الردة ، ولا فرق بين مسيلمة الكذاب ، وحميدتي الكذاب إلا قلب صفحة الكتاب ، وبين سَجَاح الفاجرة وبين القحاطة إلا رفع ستار خيمة الخلوة الحرام ، وبين جنادب من ناصرهم وبين المتعاونين إلا سحنة الخزي ونظرات الإنكسار ، أولئك في قيد الصحابة ، وهؤلاء في قبضة المخابرات .
عبد الرحيم في تخوم الفاشر يعتريه ملل الإنتظار ،ويأكل الخوف شراشيفه ، وابن زايد يمل الاتكاء على ارائك الدعة ، المغزولة من ضفائر الحرائر المغتصبات ، يطارده شقاء احتل دواخله ، لا يُسليه أنيس ، ولا يهنأ بنوم أبدا ، تطارده صُور الضحايا من غزة واليمن ، ومن ليبيا وسوريا ، ومن السودان ، تطل من أُطر اللوحات المنصوبة على الحوائط ، تتشحط في دمها ، ومن بين الستائر وفي المرايا .
وفى تخوم الفاشر ، ودبي يموت حلم بني صهيون ، وعشقه الأزلي لأرض مابين النيلين ، ومافيها ، وما لها من تأثير جيوسياسي على سائر المنطقة الشرق أوسطية .
فيا أيها الغباء المتجسد في عبد الرحيم دقلو ، فلتعرف إن الأمر قد قُضي ، والحُلم إنتهى ، والوهم إنجلى ، ولا سبيل لتحقيق شيئا مما تأمله ، والمعادلات العسكرية كما تراها عصفت بكل عرائش الوهم الذي ابتنيتموه ، والجيش الآن في طريقه الى تحرير كامل الأرض السودانية ، ويُسمع وقع الخُطى من بعيد ، ويفر العملاء والمتعاونون من الحواضر ، ويتخلص الناس من اي التزام تجاهكم ، والبقية المكرهة ستنفض يدها في الوقت المناسب .
يا عبد الرحيم قضاريف القرون لن تصبر على مناطحة صخرة الجيش والشعب ، وها هو وجهك المسود بالآثام الدامي القسمات ، قاحل التعابير ، تغيب عنه نضارة العيش ورفاه الحياة في أرقى أحياء الخرطوم ( حقت أبو منو ؟؟ ) وها هم الاشاوذ تحولوا من ترف صهوات الحديد ، الى رجالاً مثقلين بالعار والهزيمة يلتمسون النجاة في الفج العميق ، لا يملكون إلا الأسية على الخدعة التى طلاها عليهم آل دقلو .
يا عبد الرحيم المُعرد ، فالدعاءُ لا يبلغُ الصُمّ اذا وَلَوا مدبرين ، لكن السودان باق بذات شكل الدولة والمجتمع ، بذات تدينه ، وقيمه ، وأعرافه ، وتعايشه ، لا ينفكُّ عن ميراثه في الأرض ، والتاريخ الموفور ، والشواهد الباذخة في النقعة والمصورات ، وجبال النوبة ، وهمشكوريب ، وسنجة ، ومجمع البحرين في الخرطوم .
يا عبد الرحيم سيبقى غباؤك شاهدا تقف عنده القوافل ، تسترشد الإعتبار ، من حال رجل كانت الدنيا طوع بنانه ، فأبى إلا كفورا بنعمة الله .
ويا أيها المتزاحمون بالركب في حضرته ، الحقوا بأهليكم فقد استقبل العارض اوديتكم ، وهو ما استعجلتم به وتحديتموه .
الفاشر دوامةٌ مهلكةٌ للعِدا ، وعقبةٌ صعبةٌ الجَواز .
افرَنقَعُوا ،،،، لا رحمكم الله
يقول المثل السوداني ،،، أغبى من دقلو ،،