في زمن تحوّلت فيه شعارات “الحرية” و”التغيير” إلى مطايا لمطامع السلطة، يُطرح سؤال موجع يتردّد على ألسنة من بقي لديهم شيء من الوعي والضمير: هل تغيير النظام الظالم يقتضي تدمير الوطن؟ هل مواجهة من تسميهم النخب الحاكمة بـ”الكيزان” تستوجب شنّ حرب شعواء على كل ما تبقّى من بنية، من شعب، من أمل؟
ما نراه اليوم ليس ثورة تبحث عن العدالة، بل تصفية حسابات تستخدم دماء الأبرياء وقودًا لطموحات سياسية ضيقة. تُدكّ المدن، تُقصف البنى التحتية، يُقتل الأبرياء ويُشرّد الأطفال، وكل ذلك تحت لافتة “التحرير”. لكن أي تحرير هذا الذي يدفن الشعب تحت أنقاض الوطن؟ وأي وطن سيبقى بعد أن يُباد شعبه، وتُحرق أرضه، ويُهجّر أبناؤه؟
الحقيقة الجارحة أن ما يُروَّج له كـ”تغيير” لم يعُد يُقنع أحدًا. من يدّعون تمثيل الشعب لا يملكون من همّه شيئًا، بل يتغذّون على مأساته ويستثمرون في دمائه. هم في حقيقتهم ليسوا سوى أدوات تُنفّذ أجندات خارجية، تتكسّى بشعارات الوطنية بينما تقايض الوطن في مزادات النفوذ.
إن إسقاط نظام مستبد لا يعني إسقاط الدولة. التغيير لا يكون بإبادة المواطن بل بحمايته. لا تُنتزع الكرامة من تحت أنقاض الدمار، بل تُبنى بسواعد الناس الأحياء، الأحرار، لا الأشلاء الممزقة.
كفى عبثًا، كفى تزييفًا للوعي. إن معركة السلطة لا يمكن أن تكون مبررًا لإبادة شعب. من يدّعي حب الوطن لا يدمره. ومن يريد الخير لأهله لا يجعلهم وقودًا لحروبه.
الوطن ليس غنيمة. الوطن أمانة. ومن خان الأمانة، مهما لبس من قناع، فهو خائن.