في أثناء كتابتي لهذه السطور ربما تكون طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد هبطت في الرياض فى أول زيارة رسمية له منذ توليه الرئاسة ، وكما فعل في ولايته الأولى بزيارة الشرق الأوسط كأول زيارة خارجية هاهو اليوم يعيد الكرة مرة أخرى ليؤكد للعالم متانة وقوة العلاقات بين واشنطن والشرق الأوسط والتي وصفها البيت الأبيض بمرحلة العصر الذهبي. الزيارة ستشمل الرياض إلى أبوظبي مروراً بالدوحة وتحمل أجندات غاية في الأهمية في مجال الإقتصاد ، الطاقة ، الأمن والدفاع والإستثمار وقد يكون إمتلاك الرياض للتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية مقابل ضخ صفقات وإستثمارات لواشنطن هو أبرز أجندتها.من ناحية أخرى فأن الجوار الإقليمي بين السودان والسعودية يحتم عليها التطرق لملف الحرب في السودان خاصة أنها قامت قبل أيام بدعوة عدد من السفارات العربية والأجنبية في سفارتها ببورتسودان في محاولة لإبتدار مبادرة عربية إقليمية للخروج من نفق الحرب المظلم ، لذلك من المتوقع أن يتم فتح الملف ومحاولة التمهيد لإطلاق عملية تفاوض على أسس جديدة برعاية سعودية أمريكية. خلق العدوان الإماراتي الأخير على بورتسودان مزيد من التوتر والخلاف داخل البيت الخليجي الذي بدأ يتصدع مع طول أمد الحرب والمتغيرات الميدانية الأخرى مما قسّم المشهد الخليجي حول كيفية التعاطي مع أطراف الحرب إلى معسكرين ، معسكر السعودية وقطر ودول خليجية أخرى يدعمون الحكومة السودانية بقوة وفي المقابل مازال نظام أبوظبي يتخندق وراء المليشيا المتمردة في موقف مخزي لا يحسد عليه. بسبب هذا الإنقسام الداخلي في المواقف الخليجية في إعتقادي هناك سيناريوهات متوقعة حول مايمكن أن يصدر عن زيارة ترامب للشرق الأوسط إذا ماتم فتح ملف الحرب في السودان على طاولة الحوار : السيناريو الأول هو تغليب رؤية الرياض وقطر والتى تدعم الجيش السوداني وتدعم قيادة البلاد المتمثلة في البرهان وحكومته وذلك يظهر جلياً من خلال حجم التنسيق الكبير والتعاون المشترك بين هذه الحكومات وبين السودان ، هذا السيناريو قد يفضي لإطلاق عملية تفاوض على أسس جديدة تضمن تنفيذ خارطة الطريق الحكومية عبر إستسلام المليشياوتسليم سلاحها وتجميعها في معسكرات إستعداداً لعمليات سياسة لاحقة. الرؤية السعودية القطرية قد تشمل خروج نهائي للمليشيا من المشهد مع بسط الجيش لسيطرته على كامل أراضي السودان ، هذا السيناريو يعزز توجه الجيش نحو خيار الحسم العسكري مما يمكنه من فرض شروطه على طاولة الحوار ، لكن هذا لن يتأتى مالم يفك الجيش الحصار عن الفاشر ويصل إلى تخوم الضعين والجنينة ونيالا وهو ما تعكسه المجريات العسكرية الأخيرة هناك.ما يعزز هذا السيناريو أيضاً هو العدوان الإماراتي الأخير على بورتسودان وماتبعه من قطع للعلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وأبوظبي وكذلك كمية الإدانات التى أعطت العدوان زخماً إقليمياً ودولياً قد تستفيد منه السعودية وقطر في بيان خطورة مثل هذه الأفعال على الأمن الإقليمي وضرورة الضغط على نظام أبوظبي من أمريكا لتوقف دعمها للمليشيا وتبدأ في التراجع عن مخططها في تسليم دارفور للمليشيا وتكوين حكومة موازية هناك. هذا السيناريو أيضاً يعززه خروج أمريكا من عملية وساطة ناجحة أنهت الحرب بين باكستان والهند بصورة سريعة مما يفتح شهيتها للدخول في وساطات جديدة تعزز نفوذها في الشرق الأوسط، بجانب توصل أمريكا لإتفاق مع جماعة أنصار الله الحوثي ينهي العملية العسكرية الأمريكية ضدها مقابل مرور السفن الأمريكية بسلام فى البحر الأحمر ، كل هذا يعزز من سيناريو إنهاء الحرب في السودان خاصة وأن الأزمات تتفاقم في المنطقة وتجدد الصراع العسكري في ليبيا أوضح مثال. السيناريو الثاني هو سيناريو تغليب رؤية أبوظبي وإصرارها للتمسك ببقايا المليشيا ودعمها عسكرياً وسياسياً ؛ مما يعني رفع تكلفة الحرب عبر مواصلة العدوان الجوي لبورتسودان مع إستهداف المواقع الحيوية والإستراتيجية مبررة ذلك لحليفها ترامب أنها تحارب الإسلام السياسي الذي يشكل خطر عليها وعلى الإقليم لا سيما وأنها تقود حملة سياسية وإعلامية ضخمة لإلباس الجيش والقوات المساندة له ثوب هذا الإسلام السياسي الذي تحاربه. إذا اقتنع ترامب بهذا السيناريو فإن تبعاته ستكون خصماً على الحكومة السودانية وحلفاءها في المنطقة ، لأنه سيعمل على لىّ زراع الحكومة وإخضاعها لإبتزاز أن إقبلى الجلوس للتفاوض وأوقفي تقدم الجيش نحو دارفور مقابل توقف الإمداد الإماراتي للمليشيا وتوقف العدوان الجوى الذي لا يهدد السودان فقط بل يهدد إستقرار منطقة حوض البحر الأحمر بكل جزره وخلجانه وسواحله ومنطقة القرن الإفريقي بمواردها الغنية. هذا السيناريو تعززه علاقات أبوظبي مع ترامب والقرابين الكبيرة التي يقدمها له والتي كان اخرها الموافقة على صفقات مبيعات عسكرية محتملة للدويلة بمبالغ طائلة، ناهيك عن علاقات أبوظبي بالكيان والتي تعطيه أفضلية في الشرق الأوسط عند متخذ القرار الأمريكي. أخيراً بالنظر لهذين السيناريوهين يمكننا أن نتوقع نتائج زيارة ترامب على السودان إذا ماتم طرح ملف السودان على الطاولة أما إذا كانت الزيارة لها أبعاد وقضايا أخرى أهم من الحرب في السودان فسيظل الحال كما هو إلى أن يُجبر الجيش المليشيا على الإستسلام ويقوم بطردها من كافة مدن السودان وإنهاء كابوس الحرب هو السيناريو المفضل للشعب السوداني. اللهم_برداً_وسلاماً_على_السودانمرام البشير “١٣ مايو ٢٠٢٥م”.