✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
٢١ مايو ٢٠٢٥م
أين أنت يا حميدتي ؟؟
✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
بعدما ملأ الدنيا ضجيجًا بوجهه المعتم وعينيه الطافحتان بالحقدِ والتربّص، وأطلَّ من بين الركام والعدم كقاتل مأجور يمشي على رجلين من الشراهةِ والقَسوة، مكسوٌ بفراءِ الغريزة والغَدر، مبلّل النصل من دماء الضعفاء الغافلين، لا ينطوي داخله على مثقالٍ من الشعور الإنساني، رمت به الأقدار هكذا كما يرمي البحرُ زبده الرابي على السواحل، ودخل الدار وأهلها في غمرةٍ ساهون، في لُجج الخصومةِ والهرج الذي صاحب كارثة ديسمبر المشؤومة، وتلوّث البيئة السياسية بفيروسات فِكر اليسار العلماني الفاسق، تسلّل حميدتي وإرتقى إلى مراقٍ صعبة، وأصبح أدنى من قوسٍ من الرجل الأوّل في السودان وهو يفوق الرئيس البرهان بميزتين ( توفّر المال الخاص والقوة الخاصّة ) بينما البرهان رهن القوانين المنظّمة للمال والقوة.
في ظل هذا الإختلال تهيأت الفتنة وتجمّل وجه الغواية بكُل مدخلات ( المكياج والدلال ) زاد فحيح الهمس الغانج من سراة الليل ( القحّاطة ) في حضرة حميدتي يحفّزون حماسه، ويلهبون كيانه ليتقرّب أكثر من وصال الحُكم ويكون له ما يُريد، وهُم إذْ يفعلون ذلك إنما يخدمون أنفسهم بالتسلّط على الوطن بدفع بندقيته ومن ورائهم سفراء الرباعية، ومن خلالهم جميعًا المشروع الإماراتي الصهيوني العالمي القاصد لإجبار السودان وأهله على الخضوع لمتغيّرٍ جديد لا مكانَ فيه لملامح السودان القديم ( دولة ٥٦ ) بكل مواريثها، كتاب الله والسيف، وورع شيخ الخلوة، وما تثمره هذه الصفات في المجتمع.
تلفّت حميدتي بحذر مشوبٌ بالخوف لكنّهم جميعًا ربّتوا على أكتافه، تبسّموا لتشجيعه، حضّوه، ومنّوه، وجابوا إليه كُل أسلحة الدنيا حتى السموم، عدا ( النموي ) كما قالت أم قرون، وخبّروه أنَّ العالم على موعدٍ مع قيادة جديدة في بلد جديد.
الخيوط أحاطت به من كُل جانب وكل تراتيب المؤامرة أصبحت في أيديهم ( ورقة إبتزاز ) إمّا أن تمضي وتربح كل شئ، وإمّا أن ترفض فتخسر كل شئ، حيثُ يمكنهم كشف الترتيبات للبرهان فيُصبح في قفص الإتهام.
والرجل لا تنقصه صفات الغدر، فإستدعى غريزته وإنطلق وراء صيد السراب، يعوي في معيّة الأشاوذ، يأمرهم بالقتل والطق النضيف، ويعدهم بقسمة لحم الطريدة، كما تبدى نصف وجهه من تحت الكدمول وبينه والقصر والكرسي بضعة مئات من الأمتار، في يوم السبت ١٥ ابريل ٢٠٢٣م يضع البرهان بين خياري الإستسلام أو الإستلام ويا لها من خيارات !!
لكن داعيه لم يُجب، وخياراته لم تُنفّذ ثم إشتدت وطأة القتال، وإمتدت الأمتار الباقية من بلوغ المُراد ( القصر ) كما تمتد بحور السراب في القيعان المشمسة، تلاحقت أنفاس المطاردين.
إختفى حميدتي، وآثر الظهور المتقطّع عبر وسائل التواصل وذلك بالأمر الإماراتي المُباشر، برغم حدوث فواصل فارقة في ميدان القتال، وتحوّلات كبيرة في معادلات الصراع، بأبعاده العسكرية والسياسية، إلّا أنَّ غياب حميدتي كان هو الحدث الأهم في أعين المراقبين؛ فمنذُ خروجه من القصر بحسب رواية كيكل قُبيل إقتحام القوّات المسلّحة ومن بمعيّتها له، لم يظهر هذا الشبح المعتوه وكأنَّ أشلاء الأشاوذ المبعثرة في مسرح الحرب من أزقّة المدائن وبراحات القُرى والأودية والقيزان لا تستحق منه كلمة تسلية، ولا مواساة عزاء، ولا نداء شُكر لا يصل إليهم وهُم في قليب العذاب بسببه وإضلاله لهم.
وكأنَّ الإنسحابات والهزائم الساحقة التي نزلت بهم وأخرجتهم بالذُل والصغار لا تهمّه وهو في قيد الإنتظار لنصرٍ متوهّم، ورجاء خائب للعودة إلى ما قبل الحرب.
وكأنَّ أطنان الذخائر ومتاريس الأسلحة، وصناديق المسيّرات الحديثة، ومنظومات الرصد، والتشغيل والتشويش، والمركبات القتالية، كأنّها لا توجعه ليصرخ في وجوه ( المعردين ) كيف تركتم كُل ما خولكم إبن زايد من سلاح كان يمكنه القضاء على ثلث الدول الأفريقية وضعتموه غنيمةً باردةً باهظة ثمينة في أيدي ( الفلول ).
الآن إنجلى غبار المعركة تمامًا بحمد الله في الخرطوم وولايات الوسط كلها، وأسفر عن وجه النصر الوضيء الموشى ببطولات باذخة خرجت من بين ثنايا الصبر وحُسن البلاء للقوّات المسلّحة وقوات آسنادها.
ويبقى السؤال المحيّر : أين حميدتي ؟؟
الا يخرج إلى الملأ فيحدّث الأشاوذ عن إعادة التموضع، وأحلام العودة، لأنه حق الجنود على القائد أن يكون بينهم فعليًا وليس إفتراضيًا.
لقد وضعت معركة الصالحة بالأمس الأول، وضعت نقطةً على آخر سطرٍ في كتاب المواجهة في الخرطوم، وتنتقل كل القوّة إلى ما تبقّى من كُردفان الغَرّة، ودارفور الحُرّة بحول الله وقوته ونصره.
وسيبقى حميدتى نموذجًا للغباء والغرور، والعناد والإستعلاء بغير الحق.
ولعلّ الإختفاء والصمت أفضل من الظهور والكلام.
ويـا جيش ،،، شرقتونا بالعسل
جيشٌ واحد ،،،، شعبٌ واحد
بـل بـس