✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
تعليقًا على القرار ( *السليم* ) الذي إتخذه السيد الرئيس بإخلاء العاصمة الخرطوم من الوجود المسلّح، والتوجيه لرئاسة الأركان بإنفاذه في مدى إسبوعين، ومباشرة نقل الوجود المسلّح للحركات المسلّحة، والتنظيمات، والواجهات، والمسمّيات على كثرةِ أشكالها، نقلها إلى خارج العاصمة الخرطوم.صحيح الفترة ما بعد سقوط الإنقاذ جعلت من العاصمة منطقة ضغط منخفض، فتهُب عليها تيارات الرياح لتملأ فراغ الإنخفاض ( *كما يقول خبراء الإرصاد الجوي* ) فتأتي حاملةً معها الأتربة والغبار، والطلع ( *النوار* ) فتثير أهل الحساسية، وتغلم الأجواء، وتفرتق الحفلات، وتشل حركة الطيران وغيرها من الآثار،وكذلك تفعل الحركات المسلّحة، وكُل من إمتلك بندقية، وسند ظهره سياسي ، يجد نفسه فوق القانون، لأنَّ لذة الإحساس بالقوّة ( *سيكولوجية القوة* ) تبعثُ النشوة فيه، فيسلك مسارات غير التي ميّزها القانون، وحدّدها المزاج العام، فلا يجد نفسه مضطرًا للوقوف في صف في المخبز أو الطلمبة، أو المستشفى، فدافعه الداخلي المحفّز بالقوّة يزيّن له التجاوز بأنّه حقٌ يليقُ به، وإلّا فلماذا يحمل بندقية إبتداءًا إذا كان يستوي في الصف هو ومن لا يحمل بندقية ؟؟وهذا سلوك الطبقة ( *الفاهمة* ) أمّا غير ذلك فيستخدم البندقية لأغراض عدوانية وإجرامية صرفة، فاذا بصر بشئٍ من مالٍ أو متاع أو حتى نزوة فإنه لا يتوانى في الإقتراف المباشر فقط لأن إحساسه بالأمان مع البندقية وله رفقة وعَقَاب ينصرونه ( *ظالمًا ومظلومًا* ) ويمكنهم إخراجه من حراسات الشرطة، وإبعاده من مسرح الجريمة.نعم هذا السلوك ليس بدعًا من أحوال الناس حال غياب الروادع، الرادع الأول هو مخافة الله رب العالمين، ووحيّ الضمير الحي ، أمّا الرادع الثاني فهو المجتمع الذي يرفض المتجاوز للأعراف والقيم ويعزله عزلًا عقابيًا قاسيًا ولمديّات زمانية طويلة، هذا في حال الإنتماء لهذا المجتمع، أمّا الرادع الثالث وهو الأهم والأكثر فاعلية فهو القانون الباطش الحازم في الضرب على أيدي المتجاوزين الحدود والقوانين، عبر أجهزة الشرطة والنيابة والسجون، فإذا حضرت هذه الأجهزة وبالشَدّة الكاملة فسينام المواطن في بيته آمنًا مطمئنًا، ويسعى لرزقه بلا عوائق.الخرطوم العاصمة مرّت بتجارب حياتية فيها من هذا وذاك، أي حالة الأمن وحالة الخوف، ففي عهد ديموقراطية الصادق المهدي وإنتصارات قرنق تجاسر الجنوبيون على الناس جسارةً غير مسبوقة، بالسب والضرب في المواصلات، وفي الجامعات والتجمّعات حتى كانت حادثة هلاك قرنق، تصاعد العُنف لدرجة القتل والإغتصاب والتدمير والحرق، فقابله الناس بما يستحق من تصدي حتى عدت تلك الموجة.ثم جاءت كارثة ديسمبر وحُكم اليسار العلماني البائس الذي ( *تمّ الناقصة* ) وإستعدى أول ما استعدى الجيش والشرطة والأمن في سلوكٍ ممعن الغباء أو تعمّد خراب الدولة والمجتمع، فأول ما إنحسر ضل الأمن، تمدّد حر تسعة طويلة، وتدفّقت أرتال المسلّحين من كُل حدبٍ وصوب لضمان المغانم والإبتزاز والتخويف رغبةً في المزيد، وتنافست حتى ملأت البر، حتى ضاق عنها ، وسُفن البحر ( *تشيل وتودّي* ) تاتشرات ، رباعيات ، ثنائيات ، مضادات دروع ، طيران مسيّر ، منظومات تشويش ، ألبسة وعلامات ، وكميّات من كُل شئ، وكُل ذلك في العاصمة مكان صنع وإتخاذ القرار ، وموضع ( *الثدي* ) من جسم البقرة.وزاد الطين بلّة ، قيام الحرب، وخروج أغلب المواطنين، حيثُ أصبح الوجود المسلّح مقتضى الضرورة.الحمد لله زال أذى الجنجويد وبأسهم الذي ذاق الناس منه الأمرّين، وخلت العاصمة من يأجوج ومأجوج ، وقجة ، وجلحة،وعاد المواطنون ، ليجدوا أنَّ الوجود المسلّح ما يزال في تمركزاته، ومع غياب الرقيب وضعف الإنضباط فإن الكلمة للبندقية والسطوة لمن يحملها، وهذا يضرُّ كثيرًا ، وكثيرًا جدًا بالحياة المنشودة.ولأنه لا يُمكن التطبيع مع هذه المتناقضات، أي حياة عادية ، ووجود مسلّح ، لا يستويان أصلًا.والحل في ( *البل القانوني* ) بأن يُخلي كل المسلّحين بمختلف واجهاتهم أيًّا كانت، بصرف النظر عن ظهيرهم السياسي، يخلوا العاصمة تمامًا، بتوجيههم إلى مناطق العمليات فهي أولى بجهدهم لتطهير ما تبقى من أرض السودان في كردفان ودارفور، ومن الحكمة توظيف البندقية في هذا الهدف بالتحديد، وليس مجرّد تحويلهم لمعسكرات حول العاصمة لتؤجل المشكلة مجرد تأجيل، بل الأفضل أن يُحسم أمر هذه الواجهات المسلّحة بإدراجها في كشوفات الجيش وفق المتطلبات الفنية، والصيغ القانونية، ويسرّح ما تبقى منهم ( تسريحًا جميلًا )،وهكذا تعود الخرطوم العاصمة ثكنةً مدنية وليست أخلاط عسكرية، ويُمكن أن تنتظم فيها إيقاعات الحياة بالإعتياد والطبيعية.ولا مجاملة في هذا الشأن الأمني الحسّاس، ومستقبل الوطن، بل ولا خوفٌ ولا حذر في تنفيذ هذا الأمر الرئاسي مما يتأوله بعض الناس أنه باب فتنة أو فتح لباب ( بجيب الريح ) ليس في الدنيا اليوم دولة عانت وتعاني مثل السودان من تعدّد الأحزاب والحركات المسلحة ، اذ لا يُعقل أن تحتوي قائمة مسجل الأحزاب السياسية أكثر من مئة حزبوقوائم الحركات المسلّحة أكثر من سبعين حركة مسلّحة.اما وقد صدر القرار السامي.ولرئاسة أركان جيشنا العظيم، فإن الأمر فصل وليس بالهزلوبعد إسبوعين بحول الله نرى الخرطوم بالعراقي والسروال في ظل النيمة على الشارع يملأ الأزيار ويسقى الأزهار ويرد السلام على المارويتونس مع الجاروبالتوفيق للحركات المسلّحة بعيدًا عن المنازل والديار .أي سؤال؟قرار قويّ ،، عُقبال التنفيذ.شعب يستحق الإستراحة من المشقّة والعناءتقبّل الله سائر شهداء معركة الكرامة.