✒️🎯همسه وطنيه🎯 ✒️دكتور طارق عشيري

الاعمدة الاستراتيجيه لبناء السودان

الجديد
بعد سنوات من الحرب التي عصفت بالسودان، لم يعد الحديث عن إعادة الإعمار ترفاً، بل أصبح ضرورة مصيرية تحدد ما إذا كان الوطن سينهض من جديد أو سيظل أسيراً لجراحه. لكن قبل أن نمسك المعاول ونبني الجسور والطرقات، علينا أن نبني أولاً “جسر الرؤية” الذي سيحملنا إلى مستقبل أكثر استقراراً وأمناً.
الرؤية ليست شعارات
السودان ما بعد الحرب يحتاج إلى رؤية واقعية، مختصرة وملهمة، يلتف حولها الجميع. هذه الرؤية يجب أن تحدد أين نريد أن نكون خلال عقد أو عقدين من الزمان، وأن تكون قابلة للقياس، فلا تتحول إلى كلمات على الورق، بل إلى خطط على الأرض.
خطوات صناعة الرؤية
أول ما نحتاجه هو حوار وطني شامل يشارك فيه الجميع: من السياسيين والمثقفين، إلى الشباب في الأحياء، والنازحين في المعسكرات، والمزارعين في الحقول. ثم نحلل الواقع بدقة أين نقاط قوتنا، وأين تكمن أوجاعنا، وما هي الفرص التي يمكن أن نستثمرها. ومن ثم نصيغ رؤية جامعة، تضع أمامنا هدفاً وطنياً كبيراً، ونحدد أعمدة استراتيجية تمثل أولوياتنا.
الأعمدة الاستراتيجية لبناء السودان الجديد
الأمن والعدل بلا أمن لن تقوم دولة، وبلا عدل لن تستقر أمة.
الإعمار والبنية التحتية: إعادة بناء الطرق، المدارس، المستشفيات، والكهرباء والمياه.
الاقتصاد والاستقرار المالي: دعم الإنتاج، خلق فرص عمل، وجذب الاستثمارات.
الخدمات الأساسية: تعليم وصحة وتعافي نفسي واجتماعي للمتأثرين بالحرب.
المصالحة الوطنية: عدالة انتقالية، تعويضات للضحايا، وفتح صفحة جديدة بلا انتقام.
خارطة الطريق
خلال العامين الأولين، يجب التركيز على وقف الحرب نهائياً، عودة النازحين، وإعادة تشغيل الخدمات الأساسية. ومن السنة الثالثة إلى الخامسة، ننطلق نحو مشاريع إنعاش الاقتصاد، وبناء مساكن، وإصلاح مؤسسات العدالة. وبعد ذلك، نبدأ مرحلة التنمية المستدامة: زراعة وصناعة، تعليم وبحث علمي، لامركزية حقيقية، وعلاقات خارجية متوازنة.
خطوات عملية لوضع الرؤية

1. تشكيل لجنة وطنية شاملة — تمثل قوى سياسية، مؤسسات مجتمع مدني، قيادات محلية، شباب، نساء، قطاع خاص، وجاليات سودانية بالخارج.
2. جمع مدخلات الناس ميدانياً — ورش مجتمعية في الولايات، استبيانات، حوارات مع المتأثرين بالحرب (نازحين، أسر، عائدين).
3. تحليل واقع قائم (التشخيص) — اقتصاد، بنية تحتية، تعليم،قصير صحة، أمن، عدالة انتقالية، إلخ. نحدد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات.
4. صياغة رؤية ملهمة وقابلة للقياس — جملة واحدة قصيرة توضح أين نريد أن نكون خلال 10–20 سنة.
5. تحديد محاور استراتيجية (أعمدة) — لكل عمود نكتب أهدافا قابلة للقياس ومبادرات واضحة.
6. خارطة طريق زمنية وموازنات مؤقتة — أولويات 0–2 سنة (استقرار وإنعاش)، 3–5 سنوات (إعادة إعمار وخدمات)، 6–15 سنة (تنمية مستدامة).
7. آليات حوكمة ومتابعة — مجلس تنفيذ، مؤشرات أداء وطنية، تقارير دورية شفافة، مشاركة مجتمعية مستمرة.
8. خطة تمويل واستقطاب دعم — مزيج من ميزانية دولة، استثمارات خاصة، تمويل دولي، تحويلات الجاليات.
9. اتفاقية وطنية للمصالحة — العدالة الانتقالية، حقوق الضحايا، برامج مصالحة مجتمعية.
10. خطة تواصل وطنية — نشر الرؤية، إشراك المواطنين، حملات توعوية تبني ثقة.
    مؤشرات قياس (أمثلة)
    نسبة الأسر العائدة إلى مساكن آمنة خلال 2 سنة.
    معدل البطالة العام ونسبة بطالة الشباب.
    نسبة الوصول إلى المياه النظيفة والكهرباء.
    عدد القضايا المتعلقة بانتهاكات الحرب التي خضعت للتحقيق أو العدالة.
    مستوى نمو الناتج المحلي والتضخم.
    سودان آمن، مزدهر، ومصالحة وطنية — دولة خادمة للمواطن، مبنية على العدالة، التعليم، وفرص اقتصادية متساوية للجميع بحلول 2045.
    خارطة طريق مبسطة
    0–2 سنة (استقرار): وقف إطلاق نار دائم، حماية المدنيين، عودة النازحين، إعادة تشغيل الخدمات الأساسية.
    3–5 سنوات (إنعاش): مشاريع سكنية وإصلاح شبكات المياه والكهرباء، برامج تشغيل عاجلة للشباب، إصلاح مؤسسات العدالة.
    6–15 سنوات (تنمية): تنمية زراعية مستدامة، استثمارات في التعليم العالي والبحث، تطوير قطاعات تصديرية، لامركزية وبلديات فاعلة.
    نصائح عملية للنجاح
    اجعل الرؤية واقعية ومحددة زمنياً، لا مجرد شعارات.
    إشراك الناس على الأرض يزيد من شرعية التنفيذ.
    اربط رؤية كل قطاع بمؤشرات قابلة للقياس وموازنات واضحة.
    التواصل المستمر والشفافية مهمان لبناء الثقة
    إن وضع رؤية لسودان ما بعد الحرب ليس عملاً سياسياً فحسب، بل هو عقد اجتماعي جديد يربط بين الدولة والمواطن. نحن بحاجة إلى رؤية تحلم بقدر ما تخطط، وتلهم بقدر ما تنفذ، رؤية تقول للعالم: “هنا شعب قرر أن يحول رماد الحرب إلى بذور أمل”. سودان مابعد الحرب اجمل واقوي