يركضون في رماض الصحراء وكأن الحرب لا تعني لهم شيء مع انهم أكثر فئة تضررت، فيما فضل بعضهم من الأطفال الاحتماء باحضان أمهاتهم وهم يقسامونها النظرات الحائره والآلام المكتومة، والدموع التي تختبئ خلف المقبلتين، وآخرون فضلوا الاستلقاء على الفرشات بالأرض خارج الخيمة بعد رحلة نزوح شاقة ربما استمرت أكثر من أيام ، لاشيء يخفف عنهم سوى الصبر والتحديق لرياح الخماسين وهي تتراقص في تلك المساحات الشاسعة وكانها تخبرهم مشاركتها لاحزانها، بعض المتطوعين تسرع خطاهم لتحضير وجلب الأطعمة، بعض براميل المياه الفارغة موزعه على أنحاء المعسكر في أنتظار قطرة ماء تزيح عنها الاتربة التي تغطي اغطيتها، مشاهد مؤلمة وقصص نعود لنرويها لكم من معسكر العفاض بالدبة بالولاية الشمالية.
ماذا حدث
خرجنا من الفاشر حفاة ولا نحمل شيء سوى صغاري والملابس التي ارتديها، الخوف يملأ قلوبنا وقطعنا المسافات الطويلة سيراً على الأقدام، هكذا تروي أحدى السيدات النازحات المعسكر ازهري المبارك بالعفاض ذلك والدموع تتقاطر من عينيها وهي تكاد تجهش بالبكاء من شدة الألم الذي يعتصرها، وتقول في حديثها ل(ريتيرن نيوز) :” ظللنا نتنقل من قرية إلى أخرى حتى وصلنا معسكر العفاض بعد أكثر من اسبوع سيراً على الأقدام، خوف وجوع شديد حتى شعرنا باننا على وشك الموت من الإرهاق، وان بعض الناس استعانوا بالمغتربين من أجل دفع فديه للخروج من الفاشر في الأحداث الأخيرة، وأن هنالك فاعل خير حملها هي وصغارها عبر سيارته، وذكرت ان بعض الناس فرضت عليهم فديه نظير الخروج من الفاشر بعد اشتداد المعارك، وأضافت بنبره يكسوها الحزن:”بلغ مننا الجوع ولم يكن معنا شيء سوى فول وبلح وأضطررنا لتناول الجلود كطعام والأمباز ومنعنا من حمل احتياجاتنا وتم استغلالنا من أصحاب المركبات أثناء تنقلنا وهناك ذوي القلوب الرحيمة يحملوننا معهم بالحمير ولكن بعد وصلنا الدبة اعطونا كل مانحتاجه”، وتمضي قائلة :” فقدت اهلي وقتل بعضهم ولا حول ولا قوة لي ونسأل الله أن يغفر لهم وتعرضنا للضرب والشتم باقذع الألفاظ ومنسوبي الدعم السريع كان يرددون سنحرر الفاشر ونحن كنساء ظللنا نذرف الدموع فقط”، وناشدت المسؤولين بتقديم العون لهم نظراً لمعاناتهم وانهم بحاجة لمراتب واسرة للنوم عليها.
الوضع بالمعسكر
ومن جهته يقول رئيس لجنة الطوارئ والأزمات بمعسكر العفاض عن وضع معسكر ازهري المبارك ان هنالك لجنة معنية بتهيئة البيئة للوافدين تضم ممثلي الصحة والشؤون الاجتماعية والجهات النظامية، وأشار في حديثه ل(ريتيرن نيوز) إلى أن الخطوة الأولى تستهدف ٣الف و٣٠٠ أسرة وتم تجهيز ٣٠٠ الف و ٣٠٠ خيمة نصبت منها ١٠٠٠ الف و١٠٠ خيمة، وتوقع وصول ١٢٠٠ الف خيمة مقدمة من منظمة قطر الخيرية بجانب سلال غذائية، وكشف عن أن الجانب الغذائي يظل مؤمن لمدة شهر لجميع الأسر الوافدة، وذكر أنهم شرعوا بتوزيع (فرشات) مع الخيام ومشمعات براميل مياه وبعض الأسرة لبعض الخيام، وكشف عن توزيع بعض (الدفايات)، لافتاً إلى وجود ٧ عيادات وعيادات متجولة وإسعاف للحالات الطارئة، وأن التحويل للمستشفيات مجاني عبر ديوان الزكاة، مشيراً إلى أن وجود نقص في دورات المياه مطالباً المنظمات بالتدخل لتوفيرها، وعن الجانب الوقائي كشف عن القيام بثلاثة حملات رش لاصحاح البيئة لكن الأمر بحاجة للتدخل نظراً لانتشار الباعوض وتكدس النفايات، داعياً للتدخل العاجل، وطالب بتوفير طلمبات رش وادوات نظافة لان المحلية يوجد بها ٣ سيارات نفايات.
خدمات المعسكر
ونبه إلى أن وجود نقص في إمصال العقارب وانوسلين السكري، بجانب عدم وجود ثلاجات لحفظ الأدوية، واشتكي من نقص الفيتامينات ووجبات الأطفال مطالباً بأهمية توفيرها، فضلاً عن وجود نقص في شنط النساء الحوامل، وطالب بتوفير ادوية الطوارئ لان الاستهلاك عليها كبير، وعا للقيام بعمل عين جيولوجية لتوفير المياه وتم عرض المقترح على رئيس مجلس السيادة الذي وجه فوراً بعملها وتوقع استلامها خلال أسبوع، واشتكي من وجود نقص في السرائر خاصة للأطفال والنساء الحوامل لان العقارب منتشرة بشكل كبير، وانتقد عدم وجود كشافات للإنارة وأنه إذا تم توفير كشاف لكل خيمة سيكون الأمر جيداً، بجانب وجود نقص كبير في (الدفايات) منعاً للبرد القارس ودعا لتوفيرها، بالإضافة إلى وجود نقص في لبن حليب الأطفال، وشدد على ضرورة تسوير المعسكر لضمان سلامة الأسر من اي مهدد خارجي، وأكد أن هناك تكيتان تعملان لتوفير الغذاء للنازحين ومبادرات للعون القانوني ولجان معنية بالانتهاكات، وحول التعامل مع الحالات الحرجة قال ان الطبيب المختص هو من ينظر في ذلك الأمر اذا استدعى وبالتعاون معنا.
جهد شعبي
وبالمقابل رصد محرر (ريتيرن نيوز) وجود عدد من المبادرات الشعبية تعمل في توزيع الأطعمة وفي الأثناء يؤكد محمد يعقوب من مبادرة الجسد الواحد انهم منذ البدء يعملون في توفير الأطعمة واستطاعوا ان يوفروا وجبتين في اليوم، وأشار إلى أن عملهم لايتوقف على الأطعمة فقط بل يستفسرون عن النواقص من الاحتياجات، وشكاوي الوافدين مثل عدم وصول الوجبة وغيرها، وأعتبر في حديثه للموقع ان التحدي الأكبر بالنسبة لهم هو التزايد اليومي للوافدين مما يعني عدم القدرة للوفاء الوجبة، وذكر أن عدد التكايا التي تعمل بشكل رسمي ٣ فقط وأن عدم التنسيق بين التكايا في التوزيع يعتبر تحدي، وانهم طالبوا بالتوزيع للقادمين الجدد كاولويه حتى ينال كلاً منهم بصرف النظر عن مايقدم من (بطاطين واواني منزلية وغيرها)، مشيراً إلى أن الجانب الصحي والمياه يشكلان هاجساً رغم محاولات توفيرها من أزهري المبارك رجل الأعمال، ووصف الوضع بالمأساوي في نيل حصة المياه خاصة لكبار السن لجهة انهم طالبوا بحل جزئي للمياه، لافتاً إلى وجود إشكالات بدورات المياه وضعها سيئ ولايوجد بها تصريف، منوهاً إلى أن اصحاح البيئة يشكل قلقاً كبيراً، ودعا لجلب مزيد من الأخصائيين بالمعسكر لان هنالك أصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري والقلب وغيره، موضحاً أن المبادرة رغم شح الإمكانيات ستعمل على أداء رسالتها الإنسانية.
احتياجات اخرى
ومن جانبه يؤكد الأمين العام لمنظمة المهاد الخيرية فتح الرحمن عيسي ان عملهم يعتمد على التكايا والاطعمة يومياً لكن بمعسكر العفاض يعملون أيام محددة وباقي الايام لا تعني انهم بعيدون من المعسكر بل لديهم تدخلات آخرى مثل توزيع احتياجات آخرى صابون ومعجون وفرش أسنان واحتياجات بنات، وذكر في حديثه ل(ريتيرن نيوز) أن تكيتهم تعمل في وجبة الغداء نظراً لبعد سكن أماكنهم، وأكد أن الطعام ليس كافياً لوحده بل أن الوافدين يحتاجون للدفايات واحتياجات البنات أيضاً لكنها تظل مهمة مثل الغذاء.
عدد الوافدين
وفي ذات السياق أكدت كوثر قيلي مفوض العون الإنساني بمحلية الدبة ان المعسكر به عدد ٦٥٠ أسرة وعدد ٣٠٠ خيمة مقدمة من التون الإنساني وخيم من قطر الخيرية كمرحلة أولي لاستقبال الأسر، وأكدت في حديثها ل(ريتيرن نيوز) أن هناك تدخلات كبيرة من منظمات لتوفير الإيواء الغذاء مثل منظمة الأمل والايادي البيضاء، وعن الوضع الصحي تقول ان المعسكر بهم ٥ عيادات مزودة بمعدات بجانب وحدة للإشراف النفسي، وأشارت إلى انه قد نشطت مبادرات شعبية بشكل كبير ويومياً يستقبلون ٥ مبادرات شعبية تشمل مواد غذائية وعينية وايوائية، لافتة إلى أنهم لن يهدأ لهم بال حتى ينعم مواطن الفاشر بالسلام والأمان والاستقرار، مشيرة إلى وجود مشكلة في المياه وهي لاتغطي حاجة الناس بسبب تزايد عدد الوافدين، وناشدت بحل مشكلة المياه، ونوهت إلى وجود معضلة بالتعليم للأطفال الا ان هنالك جهود لإنشاء مدرسة لهم، وطالبت بتوفير الإضاءة الكهربائية، وعن التحقيق في الانتهاكات توضح بأن هناك غرفة من النيابة العامة وغرفة لحقوق الإنسان وجميعها مجهودات لانسان الفاشر.
الدبة : عثمان الطاهر
