*
في يناير عام 1258م، حاصر جيش هولاكو خان مدينة بغداد من الشرق والغرب، بعد أن قطع جسور دجلة وعزلها عن الإمدادات، وبعد مرور اثني عشر يومًا فقط، انهارت دفاعات الجيش العباسي بسبب ضعف التنظيم وتخاذل القيادة، حتى دخل المغول بغداد في 10 فبراير 1258م، ليقترفوا واحدةً من أفظع المجازر في التاريخ الإنساني، حيث قُتل فيها ما يقارب المليون نسمة – وتختلف التقديرات ، و دُمرت المساجد والمدارس والمكتبات وأُحرقت دار الحكمة التي كانت تضم مئات الآلاف من الكتب والمخطوطات النفيسة، حتي اسودّت مياه دجلة من الحبر المنسكب، واحمرّت من دماء الأبرياء، وأُسر الخليفة المستعصم بالله وأُعدم بطريقة مهينة، لتسدل الستارة على فصلٍ عظيمٍ من الحضارة الإسلامية،لم يكن سقوط بغداد مجرد حدثٍ عسكري، بل كان نهاية العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وسقوط منارةٍ للعلم والنور.
واليوم، ما أشبه الليلة بالبارحة…
فمدينة التاريخ والحضارات، فاشر –السلطان أبو زكريا مسرح ميرم تاجا، تلك التي كانت تتكفّل يومًا بكسوة الكعبة المشرّفة – تقف اليوم على حافة السقوط، بعد حصارٍ محكمٍ تجاوز العام والنصف، ورغم ضيق الحال وشدة البلاء، ما زال الجيش السوداني وجهاز المخابرات العامة والشرطة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية والمستنفرون والبراء بن مالك والبرق الخاطف، ومعهم أهالي مدينة الفاشر وكل المساندين للقوات المسلحة، صامدين في وجه الطغيان، يدافعون عن الأرض والعِرض بكل بسالةٍ وشجاعةٍ وتضحية، ويقيني أن الفاشر ستنتصر بعزيمة الرجال وشجاعة الأبطال بإذن الله، الوضع الإنساني في المدينة ينذر بخطرٍ داهم، ما لم نتدارك الأمر سريعًا ونتحرك لإنقاذه، إننا ندعو كل الوطنيين والأحرار إلى التوجّه نحو الفاشر ودعمها بكل الوسائل لإفشال المخطط الخبيث الذي يستهدفها من قبل الدويلة وأعوانها من المرتزقة والخونة، حتى لا يتكرر مشهد بغداد المأساوي في نسخةٍ جديدة على أرض السودان، فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولا يغفر لمن ترك مدينته تسقط وهو قادر على نصرتها.