✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
السيكولوجية في مجملها هي الدراسة التي تُعنى بأحوال العقل والعاطفة والسلوك والعلاقات، أما القوّة فهي المعامل المضاف لشخصية الإنسان وصاحب الأثر الأكبر عليها، وهي إما قوّة مالية، أو نفوذ وجَاه، أو ( سلاح )
وكلها مدعاة للبغيّ والعلو والجور إلا من عصم الله بدينٍ أو أخلاق أو ما قامت من أجله القوانين لتحفظ التوازن بين المجتمعات، فالمال قد ورد في حقه قوله سبحانه وتعالى { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوْا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍۢ مَّا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرٌۢ بَصِيرٌۭ } والجاه والنفوذ الجائر، ذكر الرسول ﷺ ( أعظم الجهاد عند الله كلمة حق تُقال في وجه سلطانٍ جائر )، وأمّا السلاح فإن أمره أشهر من أن يُشار إليه، وأوضح ببيّنات الفعل على مستوى العالم بدوله، وأساطيله، وأحلافه، وهذا ينسحب على مستوى الجماعات المتمرّدة في الدول الموبؤة بهذه الأدواء.
مناط الحديث في الشأن هو ما ظلّ يردّده قادة الحركات المسلحة ( قديمًا وحديثًا ) من إنضم منهم للحكومات بموجب إتفاقات سلام، ومن لم يزل متخندقًا في تمرّده، ممسكًا بالسلاح تمسّك المُعاق بعكازته التي لا يقوى على الحركة بدونها؛ لأن البندقية عندما تدخل إلى التركيبة الشخصية ( للمتمرّد ) تٌفرز فيه هرمونات الإثارة والتلذّذ، والإحساس بالقوّة والنشوة، كما يفعل هرمون ( الأدرينالين ) عند من يعشقون المغامرات، فلا يُطيق من ذاق التمرّد، لا يُطيق فراق البندقية أبدًا، حتى للذين وقّعوا إتفاقات السلام يضعونها بقربهم، يتحسسونها بإستمرار لا يطيقون فراقها خشية هاجس التجرّد منها، وبالتالي فقدان الإمتياز الذي تحقّق بموجبها.
ولذلك تجري على ألسنتهم ذكراها وبالإيحاء بالعودة إليها اذا لم تُوف الرغبات، بينما معاملات القوّة الرسمية في مؤسسات الدولة ( جيش، أمن، شرطة ) يكون الإحساس بالقوّة راشدًا، وضمن سياق الجماعة الرسمية، بقيادتها، وقانونها، لا تخضع لهوى شخصٍ ولو كان قائدًا، حيثُ لم يسجّل تاريخها أن قائدًا، أو رئيس أركان تمرّد على أمر ( إحالته على التقاعد ) وذلك لأمر بسيط أن المؤسسة التي عمل بها هي مؤسسة وطنية، وليست خاصة به، كما يشعر المتمرّد.
والذين يتابعون تصريحات المتمرّدين في السودان على كثرتهم ( نحوا من سبعين حركة مسلحة، تندمج، وتنقسم،كما تفعل البكتيريا في عمليات التكاثر )
من كاربينو كوانين، ووليم نون، وجون قرنق، والحلو، وعبد الواحد ( مستر No ) وخليل، ومناوي، ومالك عقار، الطاهر حجر، وصندل، وأردول، ومبروك سليم وجميعهم من عاد ومن لم يعُد، تجد في نبراتهم ذلك الصدى وتشم ريح الشبق للقطيع، ولحنًا في أقوالهم يُشير من طرف خفيّ إلى ( البندقية )
نعم هي ذاتها سيكولوجية القوّة التي سيطّرت على العقل، وتمكّنت من الشعور، وتحكّمت في السلوك، وتجد هذه التجلّيات عند ( البعاتي حميدتي ) أظهر ما تكون لأنه توفّرت له كل العوامل الثلاث الرئيسية ( المال، الجاه و السلاح ) ولذلك تسمعة يقول منو أكثر مننا قاعدة، يرفع يده، وخليها تمطر حصو اليوم دا تمطر حصو.
ويقول لإجتماع الإدارة الأهلية في دار فور : بلاش قلّة أدب.
ثم تطوّر ليطلب قائد الجيش ورئيس البلد، يطلب منه الإستسلام !!!!
ولذلك ليس من عجب أن تقفز إلى مخاطبات المتمرّدين العائدين بموجب إتفاقات بعض التعابير الراسخة في لا وعيهم، أو تراودهم بعض النزعات الغالبة على السلوك، فمنهم من تمرّد ثم سالم ثم تمرّد ( عقار والحلو مثالاً ) غير أن عقار سالم للمرة الثالثة، وأصبح الآن نائبًا للرئيس، وعساهم جميعًا يرتقون في سلم القومية ويتفسّحون في مجالها الفسيح، ويتجاوزون الحيّز الاثني والمناطقي الحرج، لأن ذلك بالتأكيد أفضل لهم وللوطن الكبير، ونسيان أن ما تمّ كان عن طريق الإكراه والبندقية، وأنها ما تزال الخيار الأقرب، والأسلوب الأنجع لتحصيل المنافع، لأن لهذا التفكير زوايا إنحراف بالغة الخطورة، كالجرف الهار، الذي إنهار ( بالبعاتي حميدتي ) ومجده، وعزه، وماله، وجاهه، وسُلطانه، وسلاحه، وجنوده، وسادته، ومخدّميه، وخدمه، وعملائه، كلهم الإن في حُكم العدم، فقط لأنه إختار الأسلوب الخطأ، في التوقيت الخطأ، مع المقابل الخطأ ( الجيش والشعب )، والأكيد أنّ ما توفّر للبعاتي حميدتي لم يتوفر لأحد سواه، ولن يتوفر من جديد، بالمتغيّرات المنطقية.
سيكولوجية القوّة أيضًا ممكن أن تقود إلى الجنون والهلاك لأنها فعل هرمون مغامر، كركوب الأمواج أو التزحلق على الجليد، أو إستفزاز الجيش السوداني، وتحدّي الشعب السوداني.
متى تفهم ؟؟
متى تفهم ؟؟
جيشٌ واحد شعبٌ واحد

