✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
كأنّ ما كُتب عليهم الشقاء ساكنو مخيمات النزوح في حواشي المُدن المنكوبة في دارفور بوجهٍ خاص، ورسخ في الذاكرة معسكر زمزم لما في إسمه من ايحاء، لأن أغلب ساكنيه من النساء والأطفال الذين لا يستطيعون حيلةً أمام سنابك ( التاتشرات ) المفترسة وجوفها المملؤ نارا وحقدًا، نساء وحدهن تائهات في خلاء قاس الصخور، مجدب الرمال، لافح حار السموم، هكذا في العراء بلا عزاء ولا ستر، سوى اسمال من بقايا الجوالات، وحزم من حطام قش، وهشيم المحتظر، لا يداري ويلات مخمصة، ولا يزيل وعثاء نصب، لا يلقم طفلا زاويًا دِرارَ ثدي مريئ، ولا يسد رمق، ولا يسكت قرقرة بطن ضاوية.
معسكر هو تجمّع الخائفين الواجفةُ قلوبهم وأفئدتهم هواءً من ويلاتِ ما شاهدوه، يتلاصقون مليا في الأحياز الضيّقة ليحمي بعضهم بعضا، وليصنعوا الإحساس بالتضامن ولو من باب الرجاء والتخيّل، تتنقل آمالهم من ( صفا إلى مروة ) في مشاوير لا تمل، وأشواط لا تنتهي، عسى أن يأتي الطريق بعابرٍ على خيل نصرة، أو مغيث من وراء قيعان السراب، بينما تتمرغ ( ثمرة الفؤاد ) على كثيب في هذه الأرض الجرز، يُرسل موجات الصراخ كأنها إشارات ورسائل مشفّرة لنداء من مستغيث، علّ آذان العالم تسمعه، عالم القانون الدولي والإنساني المحتشد بالجمعيات والمنظّمات المترفة أن تجهر بتجريم فعل الجنجويد ودعم الإمارات وتواطؤ أركان المؤامرة المعروفون ببيناتهم.
معكسر زمزم:
الذي يقع على نحو خمسة عشر كيلومتر جنوب مدينة الفاشر ة، خصه الجنجويد بعبوات زيادة من القصف المدفعي الممتد من تاريخ أبريل 2023م وإلى الآن مع هدنة لم تتجاوز شهرين،
ومعلومٌ أن قاطنيه هُم من الإثنيات غير العربية الذين تعتبرهم قوات ( حميدتي ) كائنات يجب إبادتها تمامًا كما يفعل الكيان الصهيوني في غزّة، وقد صدقت أفعالهم أقوالهم ودعواهم بما وثّقوه بأنفسهم من تصفيات في حق هؤلاء ( الزُرقة ،، الفلنقايات أم بايا ) كما ينعتونهم، ولذلك دفع سكّان معسكر زمزم وبقيّة المعسكرات ( السلام ،، وأبو شوك ) دفعوا أبهظ الأثمان وهم ينتظرون لحظات الفرج ووعد النصر، أن يأتي بأمر الله بلا حساب من حيثُ الكيف والأين، والمتى.
إنّ الصمود الأسطوري الذي أبدته الفاشر المدينة وسواعد جيشها ومشتركتها، ومستنفريها، لهو سبقٌ في قصص صبر المدائن المُحاصرة في تاريخ الصراعات؛ لأن الفاشر وقد إنتبذت في موقعها مكانًا قصيا في أقصى شمال غرب الوطن، قد تم عزلها عن ما يلها من مدن الجوار البعيد فإنقطعت عنها المؤن إلا مما يجبيه نسور الجو من ( إسقاط ) مهما بلغ فهو محدود قياسًا بعدد السكّان وفداحة الحاجات، ومع ذلك تمنّعت تمنُّع الحرائر ان يأكلن بأثدائهن، فأثخنت الجنجويد البغاة بالجراح، وصرعت قادتهم على أعتابها العتيّة، وأسمعتهم ما يسؤهم من مواويل المعنويات التي ترسلها المراسل الحربي ( آسيا الخليفة ) أو التي يؤذّن بها الشيخ ( آدم جار النبي ) كما ينادى للصلاة، أو كما تبدت نجمة عصرها الدكتورة الشهيدة ( هنادي ) التي تمدد جسرا من الانسانية في التطبيب ، والاطعام ، والقتال ، ما لم تفعله سوالف بنات جنسها ، أو المشاهد المنقولة من حياة المدينة تحت غواشي الموت وحمم الجنجويد، وهي تهزأ وتستهين بأسباب الخوف التي يصنعها ( آل دقلو ) المجرمين.
إن إقتحام الجنجويد ( اليوم ) لمعسكر زمزم لا يُحسب نصرًا، ولا يُكتب مكسبًا، وإنما هو فصلٌ من الجرائم يُضاف إلى صحائفهم الدامية، فضحايا الهجوم هي طُلاب خلوة الشيخ فرح لتحفيظ القرآن الكريم، يافعين صغار، ممسكين بألواح النور والهداية، يرتّلون قول الله تعالى ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا )، فنزع الجنجويد ألواحهم وجندلوهم، والأعجب انهم إذ يقتلون هذه الأنفس الطاهرة ( يردّدون الله أكبر ، ويبشّرون بعضهم ، أبشر ،، أبشر والله )
فأبشروا بالنار والخزي يا معشر المجرمين. وأعجب من ذلك أن قوات الطاهر حجر ، والهادي ادريس ضمن القوات الهاجمة ، يقتلون أهلهم وبني جلدتهم ، لأجل مشروع آل دقلو ، بل الاكثر عجبا وغرابة ، هو بيان الادانة الذي تقيأته ( إمارات الشر ) وهي تدين القتل ، دون أن تسمي القاتل ، الذي يقتل بأمرها وسلاحها ، ويركب سياراتها ، عجيب أمر شيطان العرب .
ومن ضحايا زمزم الأطباء في مستشفى ( ريليف ) إذ قام الجنجويد بتصفية الأطباء والعاملين ونهبوا المحتويات، وهذا دأبهم في كل مكانٍ دخلوه.
إن ربّك لبالمرصاد، سيأتي بالفرج من بين ثنايا المعاناة، وسيأخذ معسكر ( زمزم ) من إسمه نصيب يروي ظمأه للنصر من عين الصخر القاسي، ويأتيه الفرج أقرب مما ترمق عيناه الطريق، وليس ذلك على الله بعزيز.
الفاشر أم المدائن، وكنز آباء أعزاء، وميراثٌ ثمين لن يكون لعربان الشتات فيهم سهمٌ ولا نصيب،
قوافل النصر لا تكل ولا تتردّد، ستُخرجهم أذلة كما أخرجتهم من الخرطوم الجميلة، التي تطهّرت من أرجاسهم وكما أُخرجوا من ولايات الوسط، فهم جبناء ( متعلقون بما نهبوه ) لا قيمة للغوهم وما يدّعون.
الفاشر الآن تفرد أجنحتها لتحتضن ( برغم الضر ) من آوى إليها من سكّان معسكر زمزم الذين أُجبروا على النزوح المركّب فهم في حال نزوحٍ مستمر، ليشهد العالم على جرائم الجنجويد، ومن أعانهم على قتل الناس، وإيذائهم.
ولن يطول هذا البلاء بحول الله، فوقع خُطى الجحافل مثل رزيم الرعود، واعدٌ بالسيل العرِم الذي لا يُبقي على شيءٍ من أثر الجنجويد الأوغاد.
ألا إن نصر الله قريب
