✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
أن يبيع الرجل ضميره في سوق النخاسة بدراهم مهما كثُرت فهي في ميزان السعر ( زهيدة ) ثم ينكص على أعقابه خاويًا بلا ضمير، والضمير هو حسّاسات أخلاقية لطيفة برأها الله الخلّاق في النفس البشرية لتكون واعظًا ذاتيًا يوجّه الأنشطة والأعمال، ويضبط المعاملات في غياب الرقيب القانوني الرسمي، وفي الخلوة بعيدًا عن وعي وإدراك المجتمع من حولك، يقوم الضمير بإحداث وخز في عمق الإحساس الداخلي، فيختلّ التوازن المزاجيّ والشعور بالرضى والسلام، فيُحدث إضطرابًا وينشر الإحساس بالقلق وعدم الراحة، وينفث تيّارات من الكآبة تتخلّل الروح، وتلح على الدماغ بالعدول عن التمادي في الإنحراف في الممارسة والسلوك .
هذه الشذرات من جمال وكمال الخلق ( بشرًا سويًا ) فالبشرية هي البناء الحيويّ، والسويّة هي تمام موجّهات السلوك ولذلك يستحيل الإنسان البشري وحشًا كاسرًا حال غياب السويّة والضمير، والضمير يضمحل ويموت إذا إستنفد طاقته في المراجعة والتقريع والتأنيب، ولم يعُد له أثر في توجيه السلوك ، ربما يموت كمدًا وحسرة تحت ركام الإنحرافات، وران الخطايا، ولعلّ أكبر الشواهد على ذلك هو ما نسمعه في الإعلام ممن يُسمون ( مستشارين للدعم السريع ) في سلسلة اللقاءات تعليقًا على أحداث الحرب الجارية في السودان، وما يتيحه لهم الإعلام بإعتباره ( الرأي والرأي الآخر ) ليدلوا بآرائهم في مقابل تعليقات آخرين، يدينون جرائم المليشيا ويفنّدون دعواها، ويوثّقون فظائعها في حق المدنيين، ويقدّمون قراءات وتحليلات منطقيّة مسنودة بحقيقة ما يجري على الأرض، ويكشفون أبعاد المؤامرة، ويُعيِنُون أركانها وأهدافها، والأدوار الموكّلة لكُل طرف فيها، القتال للمليشيا ، والتمويل للإمارات ، والسند السياسي للقحّاطة ، والصمت وغضّ الطرف لأطراف دولية وأجهزة ومنظّمات، والتعاون على الإثم لدول الجوار، وغير هذا كثيرٌ مما أفاض به المحدّثون المختصّون في الشؤون العسكرية، والأمنية والإستراتيجية، والإعلامية وغيرها من التخصّصات مما شكّل صورة واضحة في أذهان المتابعين خاصًة غير السودانيين.
المستشارون القتلة ( طبيق ، عمران ، الربيع ، عبد الرحيم ، عزت ،، الخ ) الذين خلت دواخلهم تمامًا من ( الضمير ) الذي باعوه بالدراهم الإماراتية، ولذلك يشعر المرء بالأسى عليهم وهم عبثًا يحاولون تجميل كل قُبح المليشيا ويغسلون ثيابها الملوّثة بدماء الأبرياء، ويضعون المكياج ليخفوا معالم الإجرام في وجه المليشيا، ويحرّفون إعترافات عناصرها في توثيقاتهم أثناء ممارسة القتل والتعذيب والإذلال الذي ساموه للناس، وحتى حالات الإغتصاب الجماعي للفتيات وثّقوها لأنفسهم بأنفسهم، في حالات إنفصام تام عن البشرية، وكل صور التدمير والخراب الممنهج الذي أحدثته المليشيا لا يراه المستشارون جرمًا، ولا يحسبونه عدوانًا، ولا يجدون أدنى حرج لتبريره، بل وتحميله لغريمهم المتوهم ( الكيزان ) وجيشهم وكتائبهم، في مغالطات تُسقط إحترام السامعين لقائلها ( المستشار ) لأنه لم يحترم عقولهم، ولم تُسعفه شجاعة في الإعتراف بالحقيقة الدامغة للمليشيا بكل الجرائم حيثُ وثّقتها، وتناقلتها وكالات أنباء عالمية ذات مصداقية، ومنظّمات معنية بالتحقيق في هذا النوع من جرائم الحرب، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعيّة وفق مشاهد ومعاينات وشهادات موثوقة، حيثُ تتفق كل تقارير المراسلين على إختلاف قنوات الأخبار وإنتشارها على مستوى العالم، كلّها تتحدّث عن جرائم الجنجويد ، وعدوانيتهم ضد المدنيين ، وإنتهاكاتهم البالغة لكُل القيّم والأعراف الإنسانية، وتجاوزهم لقوانين الحروب، حيثُ لا تشفع حُجّة ولا معذرة عن هذه الأفعال المقصودة لذاتها، والتي تعتمدها المليشيا منهجًا في العدوان والتمثيل البشع بضحاياهم والتلذّذ بعذاباتهم.
ولذلك يشترك هؤلاء المستشارين في كامل الجرم وربما أكثر لأنهم يثيرون الفتنة ( والفتنة أكبر من القتل ) ويزيّنون الباطل، ويهوّنون التمادي في الإجرام على أفراد المليشيا، ويحفّزونهم على إرتكاب المزيد تحت دعاوى قبلية باطلة وحُجج واهية، وأهداف مبهمة مثل حديثهم عن ( القضية ) ولا أحد يعلم ماهية هذه القضية، ولا مسوغاتها وحجيتها، ولا الأهداف والمسبّبات، ولا أي شئ من ذلك غير هذا الإدّعاء الأخرق ، والوهم المصنوع من قيادتهم ليوردونهم موارد الهلاك.
المستشارون القتلة:
لا يضاهيهم في الإعلام أحد يكذب مثل كذبهم ، ويحرّف الكلم عن مواضعه، ويبرٍر وحشية القتل ، وينظّف نعل القاتل من وحل الجريمة ، يفعلون كل ذلك ليس يقينًا منهم بالحقيقة بالطبع ولكنّه التماهي مع الباطل مقابل أجر ، والتمادي في الغواية والسقوط إلى هاوية الكذب والتجديف غير المسبوق ، فأصبحوا ظاهرة قمينة بالإلتفات من المهتمين بالظواهر السلوكية شديدة الإنحراف ، إذ كيف يجرؤ أحد أن يجاهر بكُل هذا القدر من الوقاحة ، وينكر ما هو معلوم بالضرورة ، ويدعو الناس ليكذّبوا أنفسهم، وما شاهدوه ، وعايشوه تحت وطأة الجنجويد ، وإذا إستدرك عليه المذيع أو مدير الحوار يستشيط غضبًا ، ويُلحق المذيع ومدير الحوار إلى صف أعدائه ( الفلول ، والكيزان ) حتى أصبحت الممارسة مهزلة ، ودليل على بوار الحُجّة وفقدان المنطق.
وما أحداث مجزرة الصالحة أمس بتاريخ ٢٧ أبريل حيثُ لا مجال لإنكار حقيقتها أنّها جريمة حرب بشعة ، وتصفية ابرياء أمام الكاميرا في تحدٍ عجيب ، وقسوة بالغة ، وبرغم ذلك يخرج طبيق ومصطفى إبراهيم ليبشّرا الناس بهذا النصر الذي تحقّق مما يضعهما والقتلة في ذلك النهار الدامي على طريق الأسفلت في حيّ الصالحة بأم درمان في مشهدٍ يبقى عالقًا في وجدان من شاهده ، لهؤلاء الضعفاء المساكين الذين وقعوا تحت أقدام المجرمين فجرّدوهم من ملابسهم في الحر الغائظ ، وألهبوا ظهورهم بالسياط ، وأوجعوهم بالسباب وبذيء الألفاظ ، وفي هيجان الممسوسين أطلقوا عليهم الرصاص بروحّ إنتقامية شيطانية وكل هذا الفعل المشين وثّقوه بكاميراتهم ونشروه تعديًا وإشهارًا، ومع كل هذا يجتهد مستشارو الدعم السريع يجتهدون لإخلاء سبيل المجرمين وشطبهم من قوائم المطلوبين.
لسان حال الإنسانية عامًة وأهل السودان خاصًة ( عدا القحّاطة ) ينظرون تجاه قيادة القوات المسلّحة وكلهم ثقة في كسح ما تبقّى من المليشيا من ولاية الخرطوم وملاحقتهم حتى تمام نظافة أرض السودان كلها من هذا الوباء .
والله مُخرجٌ ما كُنتم تكتمون
أيّها المستشارون القتلة
عند الله تجتمع الخصوم .