يمر السودان بمرحلة حرجة من تاريخه، حيث يتقاطع الانهيار الأمني مع غياب سياسي ودستوري خطير، ما يضع البلاد على حافة الانهيار الكامل. وفي ظل هذا الواقع المؤلم، يبرز سؤال ملح: لماذا لم تُشكل حتى الآن حكومة لإدارة الأزمة؟ ولماذا يُترك الوطن فريسة للفوضى والفراغ، بينما تتعاظم معاناة المواطن وتنهار مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى؟
غياب الحكومة في لحظة وطنية مفصلية لا يمكن تفسيره إلا على أنه تهاون في المسؤولية أو خضوع لضغوط مراكز النفوذ والفساد التي وجدت في هذا الفراغ بيئة مناسبة للتمدد. فالمليشيات تتحرك بلا رادع، ومقدرات البلاد تُنهب، والفساد يضرب بجذوره في كل مفصل من مفاصل الدولة، وكل ذلك يحدث تحت غطاء “غياب القرار السياسي”.
إن تشكيل حكومة لإدارة الأزمة ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية وأمنية وأخلاقية. التأخير في تشكيلها يفتح الباب أمام مزيد من الانفلات، ويمنح قوى الفساد والنهب مزيدًا من الوقت لتثبيت أقدامها، والتلاعب بمصير الوطن. وإذا كان البعض يتحجج بالخلافات أو المخاوف من تشكيل حكومة غير متوافق عليها، فإن كلفة الانتظار باتت أكبر من أي خلاف، والمخاطر الناتجة عن غياب الحكومة أصبحت تفوق أي تحفظات.
الحقيقة المؤلمة أن ما يحدث الآن لا يختلف في آثاره عن الحرب ذاتها، بل يتجاوزها أحيانًا. فالفوضى التي تضرب مؤسسات الدولة، وغياب المحاسبة، وتغوّل أصحاب المصالح، تمثل تهديدًا صريحًا لوحدة السودان ومستقبله.
إننا ندق ناقوس الخطر. البلاد لا تحتمل مزيدًا من الانتظار، والمواطن لم يعد يحتمل هذا الإهمال. من حق هذا الشعب أن يحظى بحكومة تحميه، وتحفظ أمنه وكرامته، وتحاسب كل من أجرم في حقه. المطلوب الآن هو قرار شجاع من القيادة العسكرية، وعلى رأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بتشكيل حكومة انتقالية وطنية لإدارة الأزمة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.