د .حنان ابكراي
في خطوة غير مسبوقة تهدف ـ على ما يبدو ـ إلى تعزيز الشفافية وتكريس مبدأ الكفاءة في تعيين القيادات التنفيذية، أعلن رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس فتح باب التقديم الإلكتروني للوزارات عبر بوابة رسمية، محددا شروطا ومتطلبات واضحة تشمل السيرة الذاتية، الشهادات، إفادات السلوك، ورؤية وزارية مقترحة.
ورغم أن هذه الخطوة قد تبدو في ظاهرها مؤشراً على انفتاح حكومي وتوجه نحو الحوكمة الحديثة، إلا أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بإلحاح في هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي تمر به البلاد هو: هل تكفي الشهادات والمؤهلات وحدها لصناعة وزير وطني قادر على انتشال السودان من أزماته المتراكمة؟
ما الذي نحتاجه حقا؟
السودان اليوم لا يفتقر إلى أصحاب الشهادات العليا، فآلاف الكفاءات من حملة الدكتوراه والماجستير يملؤون المؤسسات، داخل وخارج الوطن، لكن ما نفتقده بحق هو ذلك “الإنسان السوداني المجبول على حب الوطن، المؤمن بالشفافية، والعارف بتعقيدات التنوع السوداني”، القادر على التسامي فوق الجراح، وتشافي الذات والمجتمع.
ما نحتاجه في هذه المرحلة ليس فقط أصحاب السيرة الذاتية اللامعة، بل:
قيادات وطنية ذات وجدان جمعي حيّ، تنتمي لكل السودان لا لقبيلة أو حزب.
شخصيات ذات تجربة نضالية أو مجتمعية حقيقية، تدرك قيمة التراب لا بريق المنصب.
أفراد لديهم مهارات إدارة التنوع الإثني والديني واللغوي، وفهم عميق لهشاشة النسيج الوطني.
قادة يسمعون لصوت الشارع ولا ينعزلون في أبراج بيروقراطية نخبوية.
نقاط الضعف في الإعلان
رغم الشكل المنظم للإجراءات، إلا أن هنالك ملاحظات جوهرية قد تضعف من فعالية المبادرة:
- إغفال البعد المجتمعي والوجداني في معايير الاختيار.
لا نجد ضمن الشروط ما يعكس التجربة الشعبية أو الالتصاق بقضايا الناس، وكأن المنصب الوزاري وظيفة تكنوقراطية بحتة. - غياب تمثيل الشارع في آلية الترشيح.
لماذا لا يفتح المجال لترشيح شعبي عبر منظمات المجتمع المدني أو النقابات؟ ولماذا تقتصر التزكيات على أفراد؟ - إقصاء الرموز التي لم تنل حظا من التعليم الرسمي.
هناك مناضلون وقيادات تقليدية وحديثة ذوو فطرة قيادية وخبرة ميدانية، لا تملك شهادات أكاديمية لكنها تملك قلوب الجماهير. - الاعتماد المفرط على البيروقراطية والوثائق.
في بلد يعاني من هشاشة المؤسسات، هل من الواقعية أن نطلب “شهادة حسن سير” من شرطة منهارة أو “إفادة ذمة مالية” في اقتصاد غير منظم؟
في المقابل.. ماذا يمكن البناء عليه؟
رغم التحفظات، لا يمكن نكران أن هذه الخطوة تحمل بعض الإيجابيات:
تمثل محاولة لكسر احتكار الأحزاب للترشيحات.
تعكس نية لإشراك المواطنين في الشأن العام، ولو بصورة محدودة.
تسلط الضوء على ضرورة تنظيم الكفاءة الإدارية وتوثيقها.
الخلاصة: من هو الوزير الذي نحتاجه؟
الوزير الذي نحتاجه اليوم في السودان ليس فقط حامل الشهادة أو من كتب رؤية جميلة على الورق، بل هو ذاك الذي خبر معاناة الناس، وآمن بأن المناصب تكليف لا تشريف، وأن السودان أهم من الذات والمكاسب.
نحتاج إلى وزراء:
يجمعون بين الخبرة والعاطفة الوطنية
يفتحون أبوابهم للناس لا لرجال الأعمال.
ويجعلون الوزارات جسورا للوحدة، لا محاصصات جهوية.
إن الإعلان عن فتح باب الترشح هو بداية لكنها لن تكون خطوة إصلاح حقيقية ما لم تستكمل بوعي سياسي عميق، ومشاركة مجتمعية واسعة، وأولوية حقيقية لـسودانوية الروح قبل أكاديمية الورق.