✍️ لواء ركن ( م ) د. يونس محمود محمد
أهل غزّة، هذه العُصبة المختارة التي فتلت حبل الصبر من سيورٍ من جلودها حتى لا ينقطع رجاؤها في البقاء في أرضها أمام عتو العدوانية الصهيونية العالمية المدعومة من أكابر العالم، والمُجازة من أنظمة عربية، بينما الرقيب الدولي ( لا يودّي ولا يجيب ) إلّا من تجاوبات تحملها العواطف وضمائر ما يزالُ فيها نبض الحياة ونداءات من عُمق الإنسانية الموؤدة، كلّها تؤشّر في إتجاه مأساة غزّة التي تجاوزت سقف التحمّل، حيثُ فشل ما يسمّى بالمجتمع الدولي ، ومجلس الأمن ، والأمم المتحدة ، والتحالفات ، والروابط الإقليمية ذات الصفات الإسلامية والعربية، فشلت جميعها أن تضع حدًا لهذه المأساة التي تتفاقم كُل لحظة، حيثُ تعمّد الكيان الإسرائيلي إستخدام التجويع لإصطياد المزيد من الفلسطينيين الذين أعمل فيهم كل آلات القتل المتاحة في يده ( وما أكثرها ) وضرب عليهم بأسوار الحصار فلا يستطيعون سبيلا، ومنع المنظمة الدولية الوحيدة ( الأونروا ) التي رافقت الفلسطينيين مشوار مآسيهم، تعمل على تعليم أطفالهم ورعايتهم بقدر ما يُتاح لها من موارد، ولذلك إتخذها الكيان عدوةً فقتل نحوا من ثلاثمائة من موظفيها خلال هذه الحرب، ومنع مرور شاحنات الإغاثة لداخل غزّة بل وأتلف بعضها حتى، ثم حاك الكيان بالشراكة مع أمريكا ( شركًا ) إسمه مؤسسة غزّة الإنسانية لتقوم بتوزيع الغذاء على أهل غزّة، هذا بحسب الإدعاء ، ولكنها أي ”المؤسسة“ إستخدمت نفس أساليب صائدي الطيور برمي الحَب في أماكن مُعدّة بالشِراك بينما يحمّل الجوع الطرائد على الإقتراب.
حوادث الموت جوعًا في غزّة أصبحت أمرًا كثير الحدوث، حيثُ يزوي الأطفال وتنتابهم أمراض سوء التغذية وتتوقف نبضاتهم بإنتهاء قُدرة الجسم على التحمّل والإستمرار، وهذا يجري أمام أعيُن الآباء والأمهات الذين تحمّلهم الحاجة إلى شِراك المؤسسة، فيقتربون في حذرِ وخوف وطمعًا في العودة بقبضةٍ من دقيق ليصنعوا من خُبز الحياة، وهُنا تتبدى قسوة اليهود حيثُ يستغلون تجمّع خصومهم فيعتقلوا منهم من أرادوا ويستجوبوهم في مشاهد مهينة، ويقتلوهم بدمٍ بارد، ففي خلال شهر يونيو هذا أستشهد ٥٢٦ فلسطيني في صفوف إنتظار المساعدات من مؤسسة غزّة، أي بمعدّل حوالى عشرين شهيد يوميًا، يُصرع بعضهم وفي ساعِده كيسٌ من الدقيق، يختلطُ بدمائه، فما تدري أهو الدم مقابل الخُبز ؟ بالنسبة للفلسطيني ، أم الخُبز مقابل الدم ؟ في حساب بني صهيون.
صحيح عيون العالم وأجهزة إعلامه تحوّلت بعيدًا إلى إتجاه حرب الكيان مع إيران، حيثُ ذهب الناس شتى المذاهب في التأويل لمسارات الصراع الذي فرضته الولايات المتحدّة وأوقدت ناره من أجل سيدتها وليست ربيبتها كما يقال سابقًا إسرائيل التي عرفت كيف تحمل أثقالها على هذا الفيل الأمريكي الغبي، وتخوضُ به أوحال العار كلّها وتستهلك كل مخزونه من التقدير العالمي لإنتهاكه كل القيم والأعراف والقوانين الدولية، حيثُ وطأ بكلكله ، وحطّم كُل ذلك وأصبح العالم غابةً للأقوياء ولا قُدرة للقانون على الفِعل ولا حتى الإعتراض في وجه هذا الصلف الدولي الذي تمثّله دولة الكيان، ومن يقعُ تحتَ سطوتها ونفوذها، ولعلّ مانع الدول العربية أن تستجيب لنداءات غزّة فقط هو الطول والسطوة الصهيونية عليهم.
إنَّ مشهد ( الخواجة ) في حملة قافلة الصمود الذين وصلوا إلى مصر للعبور إلى غزّة ولكنَّ سدًا من رجال الأمن المصريين حال دون ذلك، هُنا تدفّق الخواجة بفيضٍ من عواطف، وإنتحب وسال دمعه غزيرًا ، وترجّاهم في خضوع أن يسمحوا لهم بالعبور والوجع ينثالُ من بين دمعه ومنخريه يذكّرهم بأنهم ( مسلمون ) وهؤلاء أخوانكم ( مسلمون ) واستفرغ الرجل النبيل كُل مصطلحات الخِطاب وأدوات التأثير ولو أنَّه كلّمَ صخرًا للانَ لهُ، { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ}
ولكنّه وجدَ وجوهًا صامتة، وقلوبًا جامدة، فعادَ من حيثُ جاء يحملُ خيبات الدنيا على مناكبه، غير أنه سجّل موقفًا يُحمد له.
وما يزالُ الموت يتربّص بأبناء غزّة في فلسطين، ما بين القصف بالطيران ، والتدمير بالدبابات ، والتهجير القسريّ ، والإستدراج بالفخاخ المغطّاة بالمعونات الغذائية وهي شِراك الموت .
أقالَ اللهُ عثرات أهل غزّة، وأنزل عليهم مائدةً من السماء تكون عيدًا لأولهم وآخرهم وآيةً منك يا رب، فقد قلّ مُعينهم ، وضلّ عنهم الجار والرفيق ، وطغى عليهم جبروتُ بني صهيون ، وغفل عنهم الرؤساء والحُكّام العرب والمسلمون ، وتأخّرت عنهم الشعوب ، وتُركوا لوحدهم يكابدون هذا العدوان الجبار ، فأنزل اللهم سكينة عليهم، وأكلأهم برحمتك.
