✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
ما أخصب رحم القوات المسلّحة الولود، فهي الواهبة بفضل ربها للوطن الفوارس المغاوير الذين كلما استصرخهم كانوا عند الموعد أوفياء لا يتثاقلون للأرض وإلتماس الأعذار، ولا تشغلهم أموال ولا أهلٌ لقطع المفازات في الصيف وحَمّارة الغيظ، ويشهدُ تاريخ السودان السياسي أنَّ القوات المسلّحة كانت على قدر المسؤولية برغم تخرّصات أدعياء الديموقراطية الكاذبون الذين لم يجلبوا للسودان غير التدخّلات الأجنبية عبر مؤتمراتهم وتآمرهم من ليبيا وأسمرا ، وبون في ألمانيا ، وأثيوبيا ، وكينيا ، بينما تحمّلت هي عبء إدارة الحُكم في ظروفٍ مختلفة، إستطاعت أن تُنجز مهام الحُكم وتسطّر أروع الصفحات، من عبود إلى نميري إلى سوار الذهب إلى عُمر البشير الى البرهان، وما من مشروع تنمية، أو منشأة عامّة، أو طريق ، أو إنجاز إلّا وعليه توقيعٌ عسكريّ ، ولقد رأى أهل السودان رأي العين أين تقودهم الأحزاب السياسية، خاصةً اليسارية خالية الوفاض من أيّ قيمة أو أخلاق، وإنما هي مشروعات تدخّلات دولية تحت أقنعة وطنية.
في مثل هذا اليوم من قبل ٣٦ عام ، كان السودان قاب قوسين أو أدنى من السقوط في أيدي قرنق، وحكومة الأحزاب عاجزةٌ عن إتخاذ أيّ قرار يُعيد الأمر إلى نصابه ، حيثُ تنازل رئيس الوزراء الصادق المهدي عن صفته الرسمية تحت شروط قرنق ليقابله بصفة رئيس حزب وليس حكومة لأنه لا يعترف به ولا بحكومته.
بينما طلائع التمرّد تصلُ إلى تخوم الدمازين وكنانة، وخرجت خلاياهم في الخرطوم للعلن، ودخل الخوف إلى كُل بيتٍ من مصيرٍ مجهول.
ويقدر الله أن تُشرق شمس ذلك اليوم تحت مارشات الموسيقى العسكرية، وفرح الناس للإنقاذ الوطني، عدا ثُلّة الأحزاب الحاكمة أوانها، وكان أول إنجازاتها تجهيز وإعداد الجيش بما يلزمه، فكان صيف العبور الذي طوى التمرّد من على صفحة الأرض السودانية، من فشلا وإلى توريت.
ثم أقبلت على المجتمع تُصلحه بالتعليم، وصلاح الدين والدُنيا ، بالإنتاج ، والإعمار ، والمشاركة في الحُكم ، وخدمات الصحّة ، وإنشاء الطُرق وإقامة الكباري والسدود، وفوق ذلك كلّه ( العِزّة ) حيثُ لا كبير إلّا الله تعالى، ودخلت في مواجهات مشروعة دفاعًا عن حقّ شعبها في الحياة بكرامة.
وخلال تلك السنوات العامرة بالعطاء تكون أخطاءًا قد وقعت ولا تثريب، لأنها تجربة بشرية.
وتأكّد الناس من صدقها لما رأوا حالهم بعدها في كُل مناحي الحياة، بل لم تعُد هناك حياة من أصلها، فقد مات الناس ، ورحلوا بسبب الخوف، وفقدوا أموالهم، ونزفوا كرامتهم في بوابات الهجرة، وذاقوا الأمرّين،، وعرفوا بعد فوات الأوان ما كانوا فيه من نعمةٍ وسعّة، تسلّط عليها اليساريون خدم المشروع الصهيوني في تفكيك السودان، وقد نجحوا في مهمتهم، فالسودان اليوم في مهبّ الريح تنتاشه السهام من كُل ربوةٍ ووادي، وتتربّص به دول الجوار، وتتعلّم الإمارات ( الحلاقة ) في رأس اليتيم بالموس الإسرائيلية، وتشتري ( قونات ) السياسة القحّاطة المبتذلين ليغنّوا لها في الفضائيات إيقاعها المفضل بأنّها رائدة خير ، ومُحبّة سلام، وهي تعلم في قرارة نفسها أنَّ بينها وما ذكرت أمدًا بعيدًا.
تعودُ ذكرى ثورة الإنقاذ، والأرضُ غير الأرض ، قدل فيها ( الورل ) حميدتي لمّا غاب ( التمساح ) وتسنّم منابرها الفسقة، ورادها عرمان والرفاق، نعم هان السودان وتخبّط في الظُلمات لما غابت شمس الإنقاذ التي هيأ اللهُ لها أن تدرأ عنه الخوف، ولما أفلت جاءه الخوف من كُل مكان، فكأنها أمنته بين مخافتين، ما دامت فيه.
الآن قد علم الشعب أنّ الجيش أولى بالحُكم في السودان، في مثل هذا الظرف الإستثنائي الذي يبدو أنّه سيطول.
ونَفَس المؤامرة ما يزالُ ينفخ في نار الفتن، ويخالف ما بين عيدان الشركاء حتى يدقّوا عِطر مَنشمٍ ويقضوا على ما تبقّى من أثر للسودان.
الرئيس البشير الذي ما يزالُ قيد الإعتقال إرضاءًا لقوى دولية لن ترضى اليوم ولا غدًا، ولقوى سياسية خانت العهد ولم تخفِ إنحيازها للقتلة والمجرمين، ولا يستعطف هنا أحدٌ أحدًا بالغًا ما بلغ فالبشير أرفع قدرًا بالمعيار الوطني ( سوداني وود بلد ) وأنجز ما لم يُنجزه سابقٌ ولا لاحق، وخرج منها نظيف الثوب، برغم محاولات القحّاطة والنيابة والقضاء أن يكشطوا شهادته حتى تكون غير مُعتمدة، ولكنّ ربه أكرمه وأطاح بخصومه وسقطوا في مستنقع الخيانة وإلى الأبد، ذهبوا غير مأسوفٍ عليهم، تلاحقهم لعنات أهل السودان في كُل زاوية من أرض الله الواسعة ، وبقيّ هو طيّب الأثر، محمود السيرة، لا يضرّه بقاؤه في المعتقل، لأنه حجز مكانه في قلوب ( الناس ) نعم الناس ،، وليسو القحّاطة.
ومشروعه الحُكم في الإنقاذ ما كان نزهةً ، أو جاهًا ، وإنما هو فصلٌ من فصول الحُكم بالسودان، روته دماء آلاف الشهداء الشباب من الإسلاميين الى جانب الجيش ، وعمّرته عقول جبّارة من العلماء، وصاغته مشاعرُ أمةٍ معروفة الهوية، حاصره الغرب كله ، وفشل، وصرف ليهم البركاوي رجالًا ونساءًا.
نعم في هذه اللحظة يتردّد صدى الأمنيات ويقول
يا حليلك يا البشير.
جـيش بس
بـل بس
