✍️ لـواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد
مكرُ الله تعالى لعباده خير، ذلك يقينُ المؤمنين، فركن مؤامرة قريش ومن والاها، وحضور الشيطان ( شخصيًا ) في صورة شيخٍ نجديّ ذو سمتٍ حكيم، ووقار لافت وثقة في الكلام بخُطّة موجزة وفعلٍ حاسم، هو ما سيضعُ حدًّا نهائيًا لخطر الدعوة الوليدة، ولكنّها فشلت وتسرّب خيط النور من بين أيدهيم وأشفار سيوفهم، ثُم كانت الهجرة والفتح ودخول أفواج الناس في دين الله.
ولأنَّ سُنن التدافع باقيةٌ في الناس فما قامت به قبائلُ اليسار وكيانات الخيانة في إجتماعات الرُباعية والشيطان ( فولكر ) وهو يحومُ حول حمى السودان منذُ أربعين سنة، عُرضت له صوره على الحدود وبقي على إصراره حتى خلا له الجو من الصقور الجارحة وحلَّ بوم ( قحط ) الخرائب، فباض فولكر وإصفرَّ وملأ الدنيا ضجيجًا، وقاعة الصداقة تصفيقًا ( صفيقا ) من الأيدي السُفلى التي تلتقطُ ما يرميه من مالٍ و ( شيك ) على آخر مراحل الخُطّة، وهي قتل البرهان أو إعتقاله ووضع الكلباش في يديه كما صرّح أشقى الناس في هذا الزمان، الأخوان حميدتي وعبد الرحيم.
ويمكرُ الله خيرًا بأهل السودان، يُخرج البرهان من بين أيدي محاصريه على حماستهم الرعناء، وأطواق الحصار، وحواجز الطُرق والإرتكازات ومراصد القنّاصين.
هذا الخروج هو بداية ( التعافي الوطني ) لأنَّ مسار الأحداث قد تغيّر بعدهُ مباشرةً، وفي إتجاهاتٍ شتّى ومسارات مختلفة، منها العسكري الأمني، ومنها السياسيّ، والإعلامي، والإجتماعي، والنفسي المعنوي، على كُل الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية، وذلك لأنَّ الخيار الواقعي المُتاح للتعامل معهُ كان هو من يُمسك بحلقوم البلد، ويسجّل خرائط إنتشارٍ واسعة، وصوته الدعائي جريئ جدًا، وظهيره الأكثر حماسة ( الإمارات ) يُجيد فن التسويق والسمسرة ولُغة المصالح وخدمة ( السيّد) الصهيونيّ.
والشعب وقتها لم يُفق بكامله من هول الفجيعة، وشغلته ضرورات إطفاء النار من ثيابه، وتأمين نفسه من غوائل الجنجويد وإجتياحاتهم الوحشية، فشهدت الحدود والموانئ والمطارات والطُرق البرية الموحشة على خطورتها خروج ملايين البشر في أكبر نزوح وهجرات جماعية في تاريخ السودان، وذهبت بالناس الظنون، وبرزت التساؤلات هل إلى عودة من سبيل ؟
والإجابة كانت في بندقية الجيش، في عُمقه العامر باليقين والثبات، وضميره النابض بالوفاء معزولًا عن المؤثرات الملوّثة، في خزانة تجاربه وخبراته المعتّقة بعبق التجارب ومسك دماء الشُهداء في معارك التاريخ ليس فقط في مسرح الحرب السوداني، ولكن في فضاءات مهر الحرية في طبرق، وكرن، وبعدها في آكام الجنوب وحراب إسرائيل في أيدي الأنانيا، ونيران فتنة دارفور تتمةً لمشروع قرنق بالرعاية الاوروبية والكنيسة والمخابرات، وكُل تلك الرياح العواتي تكسّرت على حواف خندق الوطن المتروس بصبر وشجاعة الجيش السوداني، الذي حيّر عقول ( الخواجات ) الذين أشاروا لعملائهم بالنزوع للتفاوض حيثُ لا سبيل لهزيمة هذا الجيش الذي لا يُشبه ايًّا من جيوش افريقيا التي لم يبق فيها جيشٌ له جذور وتاريخ مستمر مثله.
الوقت ينفدُ في لوحة المشاهدة أمام كابينة قيادة المؤامرة، والجيشُ يقلبُ كل المعادلة، والشعب يعبّئ وجدانه بعشقٍ جديد للوطن، وفهم جديد للوطنية والمواطنة من وحيّ العبر والدروس، ومن خُلاصة التجربة في التعرّف على قيمة الأمن، ووظيفة الأجهزة الامنية،
ومن عتبة المعاناة في إعتياد العيش بعيدًا عن أرضه البرّة ، وحُضنه الأمين.
داء الجنجويد والقحاطة إنحسر بعيدًا وأصبح اهون خطرًا وأقل اثرًا مما كان عليه في سابق سنتي جبروته، فهُم الآن أشلاء متنابذة، بينهم شقاق القبيلة يتلاومون فيمن تسبّب في كُل ما حل بهم من كوارث، وهُم محصورون بين قوسي الموت والإستسلام.
بينما ( الفلول والكيزان ) وهُم سائر أهل السودان عداهم، بحسب وصفهم فقد عادوا إلى ديارهم، وقُراهم ومدائنهم عودًا حميدًا، وهم حريصون على إعمارها وتأهيلها لأفضل مما كانت عليه.
الرئيس البرهان زار الخرطوم بالأمس الاول، وكذلك فعل رئيسُ الوزراء، والعمل مستمر في تأهيل العاصمة لعودة الوزارات ليضع السودان حدًّا لأكبر التحديّات التي مرّت عليه في تاريخه السياسي والإجتماعي.
الوطن تعافى بلُطف الله، ثم بجيشه ومن قاتل معه في معركة الكرامة.
والتعافي يشملُ التخلّص من أثر الخارجي الأجنبي الذي يتدخّل في الشأن الداخلي مهما إدعى القُربى والحرص على مصالح السودان.
والتعافي يشملُ حسم الوجود الأجنبي بكُل أشكاله إلّا بوجه القانون الصريح.
والتعافي يشمل حرمان العُملاء الخونة ومن أعان الجنجويد من ممارسة أيّ دور في حياة الناس العامّة.
والتعافي يشمل إقامة الحٌكم الرشيد وسيادة القانون وقيومية العدل بين الناس.
والتعافي هو رحلات العودة المتواترة هذه الأيام برًا وبحرًا وجوًا من أرجاء الدنيا الواسعة إلى رحاب السودان الأوسع حيثُ يضعُ المرء عصاه ويستريح.
وكما يقول المثل ( حد التُراب بيتك )
بمعنى منتهى الترحال هو بلوغ البيت، والبيت هو الوطن.
ألف حمد الله على السلامة يا وطن