ما من فؤادٍ سودانيّ حُر الّا وهو يهوي الى الفاشر، وما من قلبٍ ينبضُ بالحياة الّا ووجيبه الفاشر، وما من عينٍ تطرفُ الّا وغايات محياها التكحّل بمرائي الفاشر وعرصات صعيدها المقدّس، وما من أذنٍ الّا وهي تصيخُ السمع وتمعنُ التنصُّت حتى تستوحي همس الحياةِ من بين شفاه الفاشر المبتسمة هازئةً في صخب الجنجويد، الامر الذي نصّب الفاشر الآن سيدة الاجماع الوطني، ومُلهمة الشعور الوطني الواحد، ورمز من شاكلة الصمود الاسطوري الذي تجاوز كل حواف المُمكن الى لجج المستحيل، فكيف لمدينةٍ مُحاصرة بقسوةٍ ومُحاطةٌ بقطعان الوحوش تُصبح وتُمسي تحت قصف الراجمات والمدافع والمسيّرات، تقتحمُ جنباتها محاور التسلّل والهجوم المتكرّر بوتيرةٍ مجنونة يقفُ وراءها مشروعُ مؤامرةٍ كبير هدفه شدَّ أطراف السودان وبترها، والحاق دارفور بجنوب السودان، وتسخين اقاليم اُخرى للقضاء على مهدّد استراتيجي للامن الصهيوني وتمهيدًا لمشروع الشرق الاوسط الكبير وعرّابته دولة الكيان الاسرائيلي.
ولذلك يندرجُ صمود الفاشر في طليعة الارادة الوطنية الابيّة التي اذهلت كُل مُراقبٍ مُنصف يقرأ بيّنات معادلات الميدان، ومقوّمات المعركة ما بين مدينةٍ محصورة في حرزها، وبين قوّات تتمدّد عبر المدى الاقليمي والدولي، تحظى بالاسناد والامداد، وتُجبى اليها احدث معدّات القتال وتقنياته، ويُحشر اليها المرتزقة زمرةً وراء زمرة.
وكلما املوا في امتلاك الفاشر والقبض عليها انتفضت فأوجعتهم، وجندلت قياداتهم وكسرت موجات هجوماتهم لاكثر من ٢٦٧ هجوم.
وحتى هذه اللحظات التي بلغت فيها القلوب الحناجر، وزُلزل الناس زلزالًا شديدا بقيت الفاشر عصيّة المنال تجادل عن شرفها بالبُندقية، وتستعين بمخزون القيمةِ والكرامة التليد، الذي تجده مكتوبًا عندها في سيّر الاسلاف الخالدين.
الجنجويد الجُبناء الذين يتلجلجون من فرط خوفهم، ويغطّون على اضطرابهم بكثرة الصياح، ويعوّضون هزيمتهم بالفتك بالمدنيين الضُعفاء، يعرفون حقيقة صمود وبسالة جُند الفاشر من الجيش والمشتركة، ويخشون الاجابة على السؤال: من اين يستمدُّ هؤلاء الرجال ثباتهم والجوع يطوي بطونهم من اكثر من عام ونصف العام ؟
مع قلّةٍ في المؤن والذخائر والاستعواض ؟
وذلك لأنَّ الجنجويد المستأجرين لا يحملون جينات الوطن، ولا ينسبون لمضارب العز، ولم يرثوا هذه المآثر لانهم طارئون على التاريخ، غُرباء في هذه الحياة غربة ليس فيها تواصل مع الآخرين، ولا وشيجة ابداع مُلهم يُمكن أن يصنع مجدًا، او يجلب ودًّا ، لأنَّ رأس مالهم بُندقية وقلب بلا رحمة، ونفس شرهة، وصدر ضيّق حرج يعجُّ بالكُره والبغضاء لكُل خير.
الفاشر انذرت الناس منذُ وقتٍ طويل، وامتزجت المعاناة في تسجيلات الشيخ المُجاهد آدم جار النبي الذي وصل السودان بحبل صوته الريّان، المترع موعظةً، وحكمةً، وبيانًا، كما زيّن صوت آسيا قبلة، زيّن صمود المرأة وصدارتها الصفوف، وسبقها الصحفيّ ، وبيانها البليغ حتى اصبح صوتُ آسيا قبلة هو الذي يهدهد المراقد، ويربّت على اكتاف الهم حتى يسكُنْ، ويبشّر أن الفاشر بخير.
نعم الفاشر انذرت، فأعذرت نفسها، وبرأت من اللوم والعتاب، واستحقّت الثناء والثواب، كيفما دارت بها الايـّام،واستقرت بها الاقدار، فهي مدينةٌ ( عجيبة ) مُلهمة، عميقة الجذر في معنى الثبات، شاهدةُ عصرٍ كأنَّها صفحةٌ اُنتزعت من روايات الخيال استحالت طرقاتها الى مزلقانٍ يُفضي للجحيم تأخذُ بنواصي واقدام الجنجويد فتهوي بهم الى قعرٍ مستعر.
كلما زفّ اليها المُجرم عبد الرحيم طاحونة رفدًا اهلكته، وهو جبانٌ يزاور عنها من بعيد، يتحسّس ساقيه حتى لا يجر على اثر الهالكين الشقيقين الشقيين علي يعقوب، وعمر يعقوب ، وقطيع من كلاب الصيد والمرتزقة.
الفاشر اللُغز، كذّبت اخبار القنوات الفضائية المتعجّلة لنبأ السقوط، واخسرت رهان الخراصين، واحرجت النُشطاء المروّجين، بل وفرزت الصفوف ما بين أهل الثبات واليقين وما بين المذبذبين.
يؤمها شيوخٌ، وتضيء ليلها قناديل الدُعاء، تثبّت قلوب أهلها الملائكة، وترى ذلك في قسمات وجوههم، ووحيّ كلامهم وعليهم السكينةُ والوقار، بينما قطعان الجنجويد تعوي وتفرُّ وعلى وجوههم قتر ذُل وغبرة لعنة وغضب.
الفاشر لن تسقط بحول الله وإنما اسقطت ركن المشروع الاساس، وهدّمت القليس، كعبةُ اليسار وقبلة تأسيس الضرار، واستنزفت الداعمين، وابدلتهم حسراتٌ يجدونها في ( حشاهم ) ويردّدون في غيظٍ، ما هذه المدينة الصمّاء !!
من أين تأكلُ وتشرب وتتنفّس الحياة تحت الحصارِ لنحو عامين تامين؟
كيف يقاتلُ هؤلاء الرجال وكيف تبدو نساؤها في ميدان المعركة كأنهنَّ فوارسٌ لا يتسرّب اليهنَّ الخوف ولا يغشاهُنَّ التردّد!
الفاشر اليوم ملئ اسماع وأبصار وأفئدة أهل السودان، وأغلى اسم يتردّد بين الحناجر والشفاه، مقرونةٌ بالدعاء الخالص بالنصرِ والسؤدد والسداد.
نعم تأخّر عنها المُغيث، ولكن الى حينٍ قريبٍ بحول الله، ثُمَّ بثبات جيشنا والمُشتركة، وفدائية الدرّاعة، وبسالة البراؤون، وفدائية العمل الخاص، واخوانهم أجمعين.
حيّا الله فاشر السُلطان وحفظها من هؤلاء المُجرمين الجُبناء الذين يستقوون فقط على العُزّل والضُعفاء.
وعلى المتحرّكات حثّ الخطى، وطيّ المسافات حتى تُشفى الصدور، ويأمن الوطن، وتُكافأ الفاشر على حسن صنيعها.
نصرٌ من الله وفتحٌ قريب
الفاشر أم البطولات*أنذرت ،، فأعذرت✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يـونس محمود محمد
