في ظل غياب البرلمان والمجالس التشريعية، تقف الدولة أمام تحد كبير: كيف نحمي المال العام ونمنع الفساد، ونضمن عدالة الأداء الحكومي دون جهة رقابية دستورية؟هذا الفراغ لا يعني أن الدولة تترك للمجهول، بل هو لحظة فاصلة تتطلب شجاعة في اتخاذ قرارات تؤسس لرقابة حقيقية وشفافية كاملة.الرقابة ليست حكرا على البرلماننعم، البرلمان هو المؤسسة الدستورية المخولة بمراقبة الأداء التنفيذي، لكن غيابه لا يسقط حق الشعب في المحاسبة، ولا يعفي الحكومة من واجب الشفافية.بل إن غياب البرلمان يضاعف المسؤولية، ويجعل البحث عن بدائل رقابية فعالة أمرا وطنيا لا يحتمل التأجيل.عدالة بلا تمييز: الوزارات سواسية أمام الوطنمن أخطر ما ورثناه عن النظم السابقة هو تصنيف الوزارات بحسب ميزانيتها أو ارتباطها بالسلطة. فأُعطيت وزارات كـالمالية والنفط والتخطيط وزنا سياديا، فيما تم تهميش وزارات مثل الثقافة، التعليم، البيئة، والتنمية الاجتماعية، رغم دورها الحيوي في بناء الإنسان والمجتمع.الحقيقة الواضحة: كل وزارة تقاس بقيمة ما تقدمه للوطن، لا بحجم ما تتحكم فيه من أموال. وكل مسؤول، مهما علا منصبه، هو موظف في خدمة الشعب، لا سيد عليه.الحل: هيئة وطنية مستقلة للرقابة والمساءلةلملء الفراغ الرقابي، وضمان نزاهة الأداء، نقترح إنشاء هيئة رقابية وطنية مستقلة، تعمل تحت إشراف رئيس الوزراء، وتتمتع بسلطات واضحة وشفافة، تشمل1. تقييم دوري لأداء الوزارات وفق مؤشرات موضوعية.2. إصدار تقارير شهرية علنية عن الإيرادات والمصروفات الحكومية.3. تلقي بلاغات وشكاوى المواطنين، والتحقيق فيها بجدية ومهنية.4. محاسبة الجهات المقصرة أو المتجاوزة دون مجاملة أو محاباة.هذه الهيئة ليست بديلا للبرلمان، لكنها ضرورة لحماية الوطن في مرحلة انتقالية حساسة، ريثما تستكمل المؤسسات الدستورية.الرقابة المجتمعية: المواطن شريك في الإصلاحالشفافية لا تكتمل دون مشاركة الناس.يمكن إطلاق منصات رقمية حكومية تتيح للمواطنين الاطلاع على ميزانيات الوزارات وخططها، وتقديم ملاحظاتهم واقتراحاتهم.فالمواطن الواعي هو أقوى رقيب، وهو الضمان الحقيقي لعدم انحراف السلطة عن مسارها.لا أحد فوق المساءلة… ولا منصب فوق القانونإن أي دولة تحلم بالاستقرار والنمو لا بد أن تدار بالعدالة لا بالمجاملات، بالكفاءة لا بالمحسوبية.ولا يمكن أن تبنى دولة القانون إذا ساد منطق الحصانة والمناصب المقدسة.الحماية الحقيقية للمسؤول لا تأتي من منصبه، بل من نزاهته والتزامه بالشفافية.رسالة مفتوحة إلى د. كامل إدريس – رئيس الوزراءفي هذه اللحظة التاريخية، لا نحتاج إلى شعارات، بل إلى قرارات.العدل يبدأ من داخل الحكومة نفسها:لا تمايز بين الوزاراتلا تساهل مع الفسادولا حصانة لمقصرنحن أمام فرصة نادرة لإعادة بناء الدولة على أسس سليمة.ولن يتحقق ذلك إلا بإرادة سياسية حقيقية، تؤمن بأن الشفافية ليست عبئا، بل حماية. وأن الرقابة ليست تعطيلا، بل ضمان للاستمرار.الدولة العادلة تبنى حين يعرف كل مسؤول أن الشعب يراقب وأن القانون فوق الجميع.